قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصبر عند الصدمة.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أتى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: اتقى الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟! فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتته فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله! لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أو عند أول صدمة)].
الصدمة: هي الخبر الذي يحصل للإنسان لأول وهلة، أي: عندما يعلم بالمصاب ويعلم بالمصيبة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، أي: حال بلوغ الخبر أول مرةٍ إليه، وهذا هو الذي يكون فيه الصبر والاحتساب؛ لأن الذي لا يصبر ينطلق بالصياح، ولن يستمر على ذلك، بل لابد أن تأتي الأيام ويسلو كما تسلو البهائم، ولكن شدة وقع المصيبة هو فجأة حصول المصيبة عند الإنسان لأول مرة، هذه أعظم حالة تكون عند الإنسان، فعند ذلك يكون الصبر فيها، أما بعد ذلك فإنه لابد من السلوان، وإذا صبر الإنسان عند الصدمة الأولى فمن باب أولى أن يصبر فيما وراء ذلك.
وقد أورد المصنف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء على امرأة تبكي على صبيٍ لها، فقال لها: (اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟!)، أي: أنت ما أصبت بمثل مصيبتي، فقد حصل لي شيء ما حصل لك، وهي لا تعرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمضى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها أُخبرت بأن هذا الذي خاطبها وخاطبته هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت إليه لتعتذر منه وقالت: إني ما عرفتك، ولم تجد عنده بوابين وحجبه، وهذا من تواضعه وكمال أخلاقه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أي: إن الصبر عند أول صدمة، فإذا وجد عند أول صدمة فهو موجود فيما بعدها من باب أولى، وهذا فيه إرشاد إلى أن الإنسان إذا حصلت له مصيبة، أو أخبر بها فإنه يصبر ويحتسب.