قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ في التعزية.
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل عن ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -يعني: ميتاً- فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخرجكِ يا فاطمة! من بيتكِ؟ فقالت: أتيت يا رسول الله! أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فلعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر، قال: لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديداً في ذلك)، فسألت ربيعة عن الكدى، فقال: القبور، فيما أحسب].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في التعزية، ومعنى ذلك: تعزية المصاب بالميت، وذلك بأن يدعى له وللميت، فيدعى للميت بالمغفرة، ويدعى له بعِظَم الأجر، وبحصول الصبر والاحتساب، فيذكر له الشيء الذي يخفف عنه الحُزن والمصيبة التي حلت به، ومن أحسن ما يذكّر به أن يقال له الدعاء المعروف: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى) فهذا أحسن ما يقال في تسلية المصاب.
ولا يكون الدعاء للحي فقط، ويغفل عن الميت، وإنما يجمع بين هذا وهذا، فيدعى للميت ويدعى للحي.
ويطلب من الحي الصبر والاحتساب، وقد وعد الله بالأجر الجزيل والثواب العظيم من يصبر عند المصيبة.
ثم أورد رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون ميتاً، فلما رجعوا وكانوا عند منزله رأى امرأة فعرفها، وإذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها: (من أين جئتِ؟ فقالت: إني ذهبت إلى أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به)، أي: أنها دعت له بالرحمة، أو عزتهم به، أي: أنها قالت هذا أو هذا.
فقال -وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة وهي التعزية- قال: (لعلكِ بلغتِ معهم الكدى؟ قالت: لا، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) قيل: إن الكدى هي القبور، وقيل لها: كدى لأنها تكون في مكان صلب، بحيث إذا حفر القبر لا ينهال التراب، بل يبقى على صلابته، فهذا هو المقصود بالكدى، وقولها: (وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) أي: من التشديد في النهي عن ذهاب المرأة إلى المقابر، وأنها لا تتبع الجنائز.
قوله: (قال: لو بلغت معهم الكدى، فذكر تشديداً في ذلك) أي: أنه كنى عن الشيء الذي ذكره، وجاء في بعض الروايات: (لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك)، وهو عبد المطلب الذي مات كافراً، وهذا من جنس قوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40].
وهذا الحديث غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.