قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الاسترجاع.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم! عندك أحتسب مصيبتي فآجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها)].
ثم أورد أبو داود بابٌ: في الاسترجاع، والاسترجاع هو قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، واسترجع الإنسان أي: أنه يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فالاسترجاع من الألفاظ التي تدل على جملة، أي: أنه لفظ واحد يدل على جملة، واللفظ يشعر بها، وهو من جنس الحوقلة والحيعله، فالحيعلة هي قول: حي على الصلاة، والحوقلة هي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد جاء الاسترجاع في القرآن والسنة، فأما في القرآن فقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، وفي هذا الحديث: (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون) أي: أننا مِلْكٌ لله، والله تعالى هو الذي يتصرف فينا، فهو الذي أوجدنا، وهو الذي يميتنا وإليه نرجع، ففيه تعظيم لله عز وجل بأن كل شيء ملكه، وأن كل شيءٍ له، وأن كل شيء منه، وأن كل شيءٍ إليه راجع، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26].
قوله: (اللهم! عندك أحتسب مصيبتي) أي: أرجو الثواب منك، فالاحتساب هو أن الإنسان يصبر فلا يتسخط ولا يتضجر، بل يرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويحتسب ذلك عند الله تعالى.
قوله: (فأجرني فيها) أي: أعطني الأجر على هذه المصيبة التي حلت بي، وعلى صبري على هذه المصيبة التي احتسبتها عندك.
قوله: (وأبدلني بها خيراً منها) أي: وأبدلني بهذه المصيبة خيراً منها، أي: أن الله يعوضه خيراً مما فقد، وخيراً مما ذهب، ولهذا لما دعت أم سلمة رضي الله عنها بهذا الدعاء الذي أرشدها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضها الله تعالى من هو خير، وهو: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد مر في الحديث أن قالت: (فأعقبني الله محمداً صلى الله عليه وسلم) أي: وهو خير البشر، وقد كان أبو سلمة عزيزاً عندها، فقالت: (من مثل أبي سلمة) أي: أنها ما تعرف أحداً مثل أبي سلمة، ولم يكن في بالها أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سيكون بعد أبي سلمة، وهو خير البشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.