شرح أثر خبيب في استعارته الموسى كي يستحد بها عندما أجمع المشركون على قتله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بابٌ: المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، أو يأخذ من أظفاره وعانته.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمر بن جارية الثقفي حليف بني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً رضي الله عنه، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا لقتله، فاستعار من ابنة الحارث موسىً يستحد بها فأعارته، فدرج بُنيٌّ لها وهي غافلة، حتى أتته فوجدته مُخْلياً وهو على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها فيها، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك.

قال أبو داود: روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا -يعني: لقتله- استعار منها موسىً يستحد بها فأعارته].

أورد أبو داود هذه الترجمة: بابٌ: في المريض يؤخذ من أظفاره وعانته، ولفظه: (يؤخذ) هنا مبينة للمجهول، أي: يأخذ غيره، وهذا -كما هو معلوم- إذا تولى ذلك غيره ممن يجوز له الإطلاع على عورته، ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك).

وليس في هذه الترجمة ولا في الحديث ما يدل على أن هناك مريضاً، ولكن لما كان خبيب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد أُجمع على قتله طلب موسىً ليستحد به، فهو مثل المريض؛ لأنه على وشك الموت، فإنهم يستعدون لقتله، والمريض أيضاً يُخشى عليه أن يموت، فمن أجل ذلك أورد هذه الترجمة وأتى بهذا الحديث.

قوله: (ابتاع بنو الحارث بن نوفل خبيباً) أي: اشتروه، فقد كان في سرية فجاء جماعة من بني لحيان فأخذوهم وباعوا خبيباً، وكان أولئك حريصين عليه؛ لأنه قتل أباهم يوم بدر، فهم يريدون أن يقتلوه وأن ينتقموا منه، فحبسوه وأجمعوا وعزموا على قتله، فطلب منهم موسى ليستحد به فأعطوه، وكان هناك طفل صغير درج وذهب من أهله، أي: أنه كان يحبوا، أو كان يمشي كمشي الطفل الصغير، حتى وصل إلى خبيب، فأخذه وجعله على فخذه؛ ليداعبه أو ليؤانسه، وكانت الموسى بيده، فنظرت ابنة الحارث فوجدت الطفل على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعاً شديداً عُرف في وجهها، فقال لها خبيب: أتخافين أن أقتله؟ لست بفاعل، فقد ظنت عندما رأت الموس بيده والطفل على رجله أنه يريد أن يقتله، وإنما طلب خبيب الموسى ليستحد به.

وإنما ألحقه أبو داود رحمه الله بالمريض لأنه في معناه، فهذا على وشك الموت، ولعله أراد من الاستحداد أن يكون نظيفاً، وأن تكون تلك الأشياء التي يطلب إزالتها قد أزيلت منه قبل أن يموت، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن الإنسان إذا مات وله أظفار، أو كان شاربه طويلاً، وكذلك له عانة تحتاج إلى نظافة فإنه يقص شاربه، وتقلم أظفاره، ومن أهل العلم من لم ير ذلك.

ولعل قائلاً أن يقول: لو كانت الترجمة مبنية للمعلوم لكان أحسن، فأقول: قد يكون المريض لا يستطيع أن يفعل ذلك، فإذا أخذه من له حق جواز النظر إليه فلا بأس بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015