قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج.
حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال أخبرنا محمد بن عيسى -يعني ابن سميع - حدثنا زيد بن واقد قال: حدثني أبو عبد الله عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: (من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج) وأرض الخراج هي: الأرض التي اصطلح المسلمون مع الكفار على أن تبقى بأيديهم وفي ملكهم، على أن يعطوا عليها خراجاً للمسلمين، وهي من قبيل الجزية، إلا أنها تكون على الأراضي، والجزية تكون على الرءوس والأشخاص كما مر في الحديث: (عن كل حالم دينار)، أو أن المسلمين يستولون على الأرض ويبقونها بأيديهم كما حصل في أرض خيبر، فكان نصف ثمرها للمسلمين، ونصفه لليهود مقابل عملهم، فهذا النصف الذي حصل للمسلمين يقال له أيضاً: خراج.
والخراج والجزية من قبيل الفيء تصرف في المصالح العامة التي يراها الإمام.
وهناك مؤلفات في الخراج خاصة لثلاثة من العلماء وهي: كتاب الخراج لـ أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وكتاب الخراج لـ يحيى بن آدم الذي يأتي ذكره في الأسانيد، وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود، وكتاب الاستخراج في أحكام الخراج لـ ابن رجب الحنبلي، وهذه الثلاثة طبعت في مجلد واحد فصارت كالموسوعة في الخراج؛ لأنها عدة مؤلفات لأشخاص متعددين، وفي أزمانٍ مختلفة، وهناك كتب أخرى تتحدث عن ذلك مثل كتاب الأموال لـ أبي عبيد القاسم بن سلام.
أورد أبو داود هذا الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (من عقد الجزية في عنقه فقد برء مما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قيل: المقصود المسلم، فإنه ليس عليه جزية، ولكن إذا كانت الأرض خراجية، واتفق المسلمون مع صاحبها الكافر على أن يدفع عنها خراجاً كل سنة، ثم اشتراها مسلمٌ منه، فإن الحق يبقى متعلقاً بهذه الأرض، فالمسلم يدفع خراج تلك الأرض، وهو لازمٌ لها أبداً، فإذا اشتراها المسلم فإنه سيدفع هذا الخراج الذي هو مثل الجزية، فيصير كأنه يدفع الجزية، والجزية إنما تكون من الكفار، فهذا الأثر فيه تنبيه أنه لا يشتري المسلم الأرض التي تترتب عليها هذه الآثار، وإذا بيعت الأرض على كافر فهذا لا إشكال فيه؛ لأن كلاً منهما سبيله واحد، ويؤخذ منه الجزية، فإذا أخذ الخراج من هذا أو من هذا فلا إشكال، لكن الإشكال في أخذه من المسلم، فلو اشتراها مسلم للزم ذلك الحق الذي فيها، ويكون قد عرّض نفسه لأن يكون محل الكافر، ويدفع الشيء الذي يدفعه الكافر.
وهذا أثر في حكم المرفوع لأنه قال: برئ مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والألباني ضعف هذا الأثر وقال: ضعيف الإسناد، ولكن ظاهر الإسناد مستقيم، وفيه زيد بن واقد قيل في ترجمته: يقال: إنه لم يسمع من أبي عبد الله الأشعري، وهذا يعني أن روايته مرسلة، لكنه صرح هنا بالتحديث فقال: حدثني أبو عبد الله، وفي كل النسخ المطبوعة من عون المعبود والسنن: حدثني أبو عبد الله، وهذا يفيد الاتصال، وأنه لا إرسال ولا انقطاع، اللهم إلا أن يكون ذِكر (حدثني) هنا خطأ مطبعي، وهذا يتوقف على معرفة النسخ الخطية، فلا أدري علام بنى الشيخ الألباني التضعيف، هل هو من أجل ما ذكر في ترجمة زيد بن واقد أو من أجل شيء آخر، ولكن الإسناد ظاهره مستقيم، ورجاله لا بأس بهم.