بَاب الْمُلْتَزم هُوَ مَا بَين الْحجر الْأسود وَالْبَاب من جِدَار بَيت الله تَعَالَى سمي بذلك لِكَثْرَة الْتِزَام النَّاس ذَلِك الْمَكَان ومعانقتهم إِيَّاه وَهُوَ نَحْو أَربع خطوَات وَمن الاماكنة المعدودة لقبُول الدُّعَاء إنْجَاح الْحَاجة للشَّيْخ الْمُحدث مَوْلَانَا عبد الْغَنِيّ المجددي الدهلوي هُوَ بِكَسْر الرَّاء مَوضِع من مَكَّة بِعشْرَة أَمْيَال فِيهِ قبر مَيْمُونَة زوج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد اتّفق التَّزَوُّج وَالْبناء بهَا وموتها فِي هَذَا الْموضع
[2964] ان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افرد الْحَج قَالَ الشَّيْخ ولي الله الْمُحدث الدهلوي فِي المسوى شرح المؤطا التَّحْقِيق فِي هَذِه المسئلة ان الصَّحَابَة لم يَخْتَلِفُوا فِي حِكَايَة مَا شاهدوه من أَفعَال النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من انه احرم من ذِي الحليفة وَطَاف أول مَا قدم وسعى بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ خرج يَوْم التَّرويَة الى منى ثمَّ وقف بِعَرَفَات ثمَّ بَات بِمُزْدَلِفَة ووقف بالمشعر الْحَرَام ثمَّ رَجَعَ الى منى وَرمى وَنحر وَحلق ثمَّ طَاف طواف الزِّيَارَة ثمَّ رمى الْجمار فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي التَّعْبِير عَمَّا فعل بِاجْتِهَاد وآرائهم فَقَالَ بَعضهم كَانَ ذَلِك حجا مُفردا وَكَانَ الطّواف الأول للقدوم وَالسَّعْي لاجل الْحَج وَكَانَ بَقَاؤُهُ على الْإِحْرَام لِأَنَّهُ قصد الْحَج وَقَالَ بَعضهم كَانَ تمتعا يَسُوق الْهدى وَكَانَ الطّواف الأول للْعُمْرَة كَأَنَّهُمْ سموا طواف الْقدوم وَالسَّعْي بعده عمْرَة وان كَانَ لِلْحَجِّ وَقَالَ بَعضهم كَانَ ذَلِك قُرْآنًا وَالْقُرْآن لَا يحْتَاج الى طوافين وسعيين وَهَذَا الِاخْتِلَاف سَبيله سَبِيل الِاخْتِلَاف فِي الاجتهاديات اما انه سعى تَارَة أُخْرَى بعد طواف الزِّيَارَة فَإِنَّهُ لم يثبت فِي الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة بل ثَبت عَن جَابر انه لم يسع بعده انْتهى
قَوْله
[2965] ان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افرد الْحَج أعلم ان أَحَادِيث هَذِه الْأَبْوَاب متظاهرة على جَوَاز افراد الْحَج عَن الْعمرَة وَجَوَاز التَّمَتُّع وَالْقرَان وَقد اجْمَعْ الْعلمَاء على جَوَاز الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة والافراد ان يحرم بِالْحَجِّ فِي اشهره يفرغ مِنْهُ ثمَّ يعْتَمر والتمتع ان يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي اشهر الْحَج ويفرغ مِنْهَا ثمَّ يحجّ من عَامه وَالْقرَان ان يحرم بهما جَمِيعًا وَكَذَا لَو أحرم بِالْعُمْرَةِ ثمَّ احرم بِالْحَجِّ قبل طوافها صَحَّ وَصَارَ قَارنا فَإِن قيل كَيفَ وَقع اخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي صفة حجَّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِي حجَّة وَاحِدَة وكواحد مِنْهُم يخبر عَن مُشَاهدَة فِي قصَّة وَاحِدَة قَالَ القَاضِي قد أَكثر النَّاس الْكَلَام على هَذِه الْأَحَادِيث فَمن مطيل مكثر وَمن مقتصر مُخْتَصر وأوسعهم فِي ذَلِك نفسا أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ تكلم فِي ذَلِك فِي زِيَادَة على الف ورقة وَتكلم مَعَه فِي ذَلِك أَيْضا أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ ثمَّ الْحَافِظ بن عبد الْبر وَغَيره وَأولى مَا يُقَال فِي هَذَا على مَا فحصناه من كَلَامهم واشبه بمساق الْأَحَادِيث ان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ للنَّاس فعل هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة ليدل على جَوَاز جَمِيعهَا وَلَو أَمر بِوَاحِد لَكَانَ غَيره يظنّ انه لَا يُجزئ فأضيف الْجَمِيع اليه وَأخْبر كل وَاحِد بِمَا أمره بِهِ وَنسبه الى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا لأَمره بِهِ وَإِمَّا لتأويله عَلَيْهِ وَإِمَّا احرامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفسِهِ فَأخذ بالأفضل فَأحْرم مُفردا لِلْحَجِّ وَبِه تظاهرت الرِّوَايَات الصَّحِيحَة وَأما الرِّوَايَات بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعا فمعناها أَمر بِهِ وَأما الرِّوَايَات بِأَنَّهُ كَانَ قَارنا فإخبار عَن حَالَته الثَّانِيَة لَا عَن ابْتِدَاء احرامه بل أَخْبَار عَن حَاله حِين أَمر اصحابه بالتحلل من حجهم وَقَلبه الى عمْرَة لمُخَالفَة الْجَاهِلِيَّة الا من كَانَ مَعَه هدى وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن مَعَه هدى فِي آخر احرامهم قارنين يَعْنِي انهم ادخُلُوا الْعمرَة على الْحَج وَفعل ذَلِك مواساة لأَصْحَابه وتأنيسا لَهُم فِي فعلهَا فِي أشهر الْحَج لكَونهَا كَانَت مُنكرَة عِنْدهم فِي أشهر الْحَج وَلم يُمكنهُ التَّحَلُّل مَعَهم بِسَبَب الْمهْدي وَقَالَ الْخطابِيّ قد أنعم الشَّافِعِي بِبَيَان هَذَا فِي كِتَابه اخْتِلَاف الحَدِيث فالوجيز الْمُخْتَصر من جَوَامِع مَا قَالَ ان مَعْلُوما فِي لُغَة الْعَرَب جَوَاز إِضَافَة الْفِعْل الى الْأَمر كجواز اضافته الى الْفَاعِل كَقَوْلِك بني فلَان وَأَرَادَ إِذا أَمر ببنائها وَضرب الْأَمِير فلَانا إِذا أَمر بضربه ورجم
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عزا وَقطع سَارِق رِدَاء صَفْوَان وَإِنَّمَا أَمر بذلك وَمثله كثير فِي الْكَلَام وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُم الْمُفْرد والمتمتع والقارن كل مِنْهُم يَأْخُذ عَنهُ أَمر نُسكه ويصدر عَن تَعْلِيمه فَجَاز ان يُضَاف كلهَا الى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معنى انه أَمر بهَا وَأذن فِيهَا قَالَ وَيحْتَمل ان بَعضهم سَمعه يَقُول لبيْك بِحجَّة فَحكى انه افرد وخفي عَلَيْهِ قَوْله عمْرَة فَلم يحك الا مَا سمع وَسمع أنس وَغَيره الزِّيَادَة وَهِي لبيْك بِحجَّة وَعمرَة وَلَا يُنكر قبُول الزِّيَادَة وَإِنَّمَا يحصل التَّنَاقُض لَو كَانَ الزَّائِد نافيا لقَوْل صَاحبه فَأَما إِذا كَانَ مثبتا لَهُ وزائدا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تنَاقض وَيحْتَمل ان الرَّاوِي سَمعه يَقُول لغيره على وَجه التَّعْلِيم فَيَقُول لَهُ لبيْك بِحجَّة وَعمرَة على سَبِيل التَّلْقِين فَهَذِهِ الرِّوَايَات الْمُخْتَلفَة ظَاهرا لَيْسَ فِيهَا تنَاقض وَالْجمع بَينهَا سهل كَمَا ذكرنَا انْتهى
قَوْله
[2968] فَسَمعته يَقُول لبيْك عمْرَة وَحجَّة أَي قَارنا بَينهمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر انه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبّى بِالْحَجِّ وَحده وَلمُسلم فِي لفظ أهل باحج مُفردا وَعند الشَّيْخَيْنِ عَن بن عمر انه كَانَ مُتَمَتِّعا وَفِيهِمَا أَيْضا عَن عَائِشَة قَالَت تمتّع رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ الى الْحَج وتمتع النَّاس مَعَه قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوع وَالصَّوَاب الَّذِي نعتقد أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احرم اولا بِالْحَجِّ مُفردا ثمَّ أَدخل عَلَيْهِ الْعمرَة فَصَارَ قَارنا فَمن روى انه كَانَ مُفردا وهم الْأَكْثَرُونَ اعتمدوا أول الْإِحْرَام وَمن روى انه كَانَ قَارنا اعْتمد اخره وَمن روى انه كَانَ مُتَمَتِّعا أَرَادَ التَّمَتُّع اللّغَوِيّ وَهُوَ الِانْتِفَاع وَقد انْتفع ان كَفاهُ من النُّسُكَيْنِ فعل وَاحِد وَلم يحْتَج الى افراد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِعَمَل انْتهى (إنْجَاح)
قَوْله
[2970] لهَذَا اضل من بعيره وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن الْقرَان كن عِنْدهمَا مَكْرُوها فَلَمَّا قَارن هَذَا الرجل نسباه الى الْجَهَالَة بِهَذَا القَوْل وَلذَلِك زجرهما عمر رَضِي مَعَ أَنه كَانَ أَيْضا يمْنَع عَن التَّمَتُّع وَيَقُول انه مَخْصُوص بأصحاب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتثالا لقَوْله جلّ ذكره واتموا الْحَج وَالْعمْرَة لله وَلَكِن إِنْكَاره كَانَ مَحْمُولا على ترك الِاسْتِحْبَاب وَخَالفهُ فِيهِ أَكثر الصَّحَابَة إنْجَاح الْحَاجة قَوْله