من جهة الإحاطة والتكييف ولله در القائل:
أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها أو ترى كيف تجول
أين منك القلب في قالبه ... وهو بيت الرب حقا إذ يقول
أين نور العقل والفهم إذا ... غلب النوم فقل لي يا جهول
أين نور الشمس لما أن دجا ... غيهب الليل وفاءت للأفول
هذه الأنفاس لا تعرفها ... لا ولا تدري متى عنك تزول
أنت لا تدري صفات ركبت ... فيم حارت في خفاياها العقول
فإذا كانت خفاياك التي ... بين جنبيك بها أنت ضلول
كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف تجلى لم تدر كيف يرى ... فلعمري ليس ذا إلا فضول
إن تقل كيف فقد مثلته ... أو تقل أين فقد رمت الحلول
فهو لا أين ولا كيف له ... وهو رب الكيف والكيف يحول
وهو فوق الفوق لا فوق له ... وهو في كل النواحي لا يزول
جل ذاتاً وصفاتاً وسما ... وتعالى وصفه عما تقول
لو كلف العبد بالإحاطة بذاته ما أطاقه هذا سمعه وبصره وعقله وروحه ووجوده وتصرفه لا تمكنه الإحاطة بها فكيف بأمر بارئه تعالى ربنا وجل.
(يعتبر المتفكرون في آياته ولا يتفكرون في مائية ذاته).
الاعتبار التأمل والنظر والآيات والعلامات والدلائل فالمراد: ينظر المتفكرون ويتأملون في دليل وجوده وجريان فضله وجوده ليصلوا إلى إثباته وتعظيمه والعلم بأفعاله وصفاته وعظمة ذاته (ولا يتفكرون في مائية ذاته) لأنه لا يعرف بالمائية ولهذا قال فرعون: {وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 23] قال موسى عليه السلام {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} [الشعراء: 24] وجعل ما بعد ذلك من الجواب على وفق ذلك إما لأنه تعالى لا يوصف بالماهية ولا يعرف بها على أحد القولين وقد حكى الطرطوشي عن المحاسبي أنه قال لا يمكن أن تكون ذاته معلومة لنا