فتشكر بلسانك؛ فتثنى على الإنسان الذي أسدى إليك النّعمة بعد الله، وتشكر بجنانك، فتعتقد فضله، وتشكر بجوارحك، وأركانك بردّ الجميل إليه، أو فعل ما يردّ إحسانه إليه، وقد جمعها الشاعر بقوله:
أفادَتْكُمُ النَّعْماءُ منّي ثَلاثةً ... يَدِي ولساني والضَّميرَ المُحَجَّبا
فقوله: (يدي) أي: أشكركم بيدي، فأعمل في خدمتكم.
وقوله: (ولساني) أي: أشكركم بلساني، فأتحدّث بفضلكم.
وقوله: (والضَّميرَ المُحَجّبا) أي: أشكركم بقلبي، فأعتقد فضلكم.
أما بالنسبة للحمد فلا يكون إلا باللسان، ولكن من جهة السبب الحمد أعمّ من الشكر، فتحمد الإنسان سواء أنعم عليك بعد الله، أو لم ينعم تقول: فلان كريم، ولم يعطك شيئاً، ولكن رأيت فيه هذه الخصلة الطّيبة فأثنيتَ عليه، وحمِدتَه، إذاً فالحمد لا يستلزم وجود فضلٍ للمحمود على الحامد؛ ولكن الشكر إنما يكون بعد جميل، ونعمةٍ من المشكور، فلا تشكر إلا من أحسن، وأسدى إليك المعروف.
إذاً فالفرق بينهما أنّ بينهما العُموم، والخُصوص.
قوله رحمه الله: [الحمدُ للهِ حمداً لا يَنْفدُ]: أي أحمد الله -تبارك وتعالى- حمداً لا ينتهي.
قوله رحمه الله: [الحمد لله]: العلماء يقولون استفتح الله كتابه بالحمد لله؛ فاختار اسم الله، ولم يقل الحمد للكريم، أو للعظيم، مع أنه سبحانه عظيم، وكريم بلا شكٍ، ولكن تخصيص الاسم الدّال على الذّات أبلغ في الحمد، والثناء من ذكر الوصف؛ لأنك لو قلت الحمد للكريم؛ لأشعر أنك حمدته