فالمصنف رحمه الله بيّن أن الماء المستعمل في الطهارة المستحبة مكروه، وهذا يستلزم الحكم بكون الماء لا زال طهوراً.

والحكم بالكراهة مبني على ما قدمناه من الأصل عند العلماء رحمهم الله من تردد الأمر بين المأذون والمحظور، فأعطي حكم الكراهة ترغيباً في الترك عند وجود غيره، لا تحريماً للحلال.

والأصل عندهم في هذا أنه مبني على طريق الورع كما نبّه عليه الإمام البهوتي رحمه الله، وغيره، فصار من جنس المشتبه، ودلّ حديث النعمان رضي الله عنه على الترغيب في تركه، وهذا كله ليس من تحريم الحلال في شيء، كما لا يخفى.

ومفهوم قوله رحمه الله: [في طَهارةٍ مُستحبّةٍ] أنه إذا استعمل في طهارة واجبة سلبه الطهورية كما سيأتي بيانه، وهذا على المذهب.

قوله رحمه الله: [وإذا بلغَ الماءُ قلّتين، وهو الكثير] القلتان: مثنى قُلّة، والقُلّة ما يُقَلُّ بمعنى يُحْمَل، ومنه توله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا}، (?) أي إحتملته الريح، وسميت القُلّة قلّةً لأنها تحمل باليد، وهي الجرة مثلَ الأزيار، والشِرَابْ الموجودة الآن، ولا زال إلى الآن بعض أهل البادية يحملونها ويستقون بها يضعون فيها الماء من الآبار، ويجلبونه إلى منازلهم، فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الماء، وما ينوبه من السباع فقال: [إذا بلغَ الماءُ قلّتينِ لم يحملِ الخَبَث] بمعنى أنه لو وقعت فيه نجاسة لم تغيّر لونه، أو طعمه، أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015