فأما في الحالة الأولى فلا إشكال أنها تغسل الموضع، وتضع القطن لتمنع خروجه حال صلاتها، ولكي تبقى على طهارتها، وقد أشار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حَمْنةَ رضي الله عنها بذلك فقال لها: [أَنعتُ لَكِ الكُرسُفَ] أي: هل أصف لك القطن، ومراده آنها تضعه في الفرج؛ ليمنع خروج الدم، فدلّ على مشروعية سدّها للفرج بقطنة، ونحوها.
وأما الحالة الثانية: أن يكون الدم شديداً، أو ثَجّاجَاً ففي هذه الحالة تغسل الموضع كما تقدم في النّصِ، ثم تضعُ القُطنَ، وتشدُّ الموضع، أو تشدُّ الموضع دون وجود حائل من قطن، أو قماش.
وتشدُّ الموضع إما بجمع حافتي الفرج، أو وضع الحبل، أو الذي يُشدُّ على نفس الموضع على حسب ما ترى المرأة أنه يسدُّ، ويمنع خروج الدم، وهذا هو الذي عبّر عنه المصنف بقوله رحمه الله: [وتَعصُبُ الفَرْجَ]، والعَصْبُ، والعِصَابة مأخوذة من: الإحاطة، سُمّيت العِصَابَةُ عِصَابَة؛ لأنها تُحيط بالشيءِ، كما سُميّتْ عصبةُ الإنسان بذلك، وهم قرابته؛ لأنه إذا نزلت به ضائقة، أو شِدّة أحاطوا به بإذن الله -عز وجل- وكانوا معه، فالعصابة أصلها الإحاطة، وبناءً على هذا التعبير قالوا تشد طرفي الموضع.
والدليل على أنه يلزمها هذا الشد ظاهر حديث حَمْنة رضي الله عنها فإنها لما قالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّي أُسْتَحَاض حَيضةً شديدةً، فلا أَطْهُر؟ قال عليه الصلاة والسلام: [أنعتُ لَكِ الكُرْسُفَ؟] قالت: هو أكثر من ذلك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: [فاتّخِذي ثَوْباً] قالت: هو أكثر من ذلك، قال: [فتلجّمي] والتّلجم مأخوذ من: اللجام، واللجام في الأصل يكون