قال رحمه الله تعالى: [وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في سجود وقعود، وتشهد في قيام، وقراءة سورة في الأخيرتان لم تبطل ولم يجب له سجود، بل يشرع].
قوله: (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه) مثاله: أن يصلي إنسان الظهر، فعندما قام للركعة الثانية فبدل أن يقرأ الفاتحة قرأ التشهد سهواً لا قصداً، أو ركع فسها فقرأ القرآن راكعاً، أو سجد فقرأ الفاتحة ساجداً، أو جلس للتشهد فسها فقرأ الفاتحة وهو في التشهد.
فالفاتحة مشروعة في الصلاة، والتشهد مشروع في الصلاة، فهو متلفظ بلفظ مشروع في الصلاة، ولكن الموضع الذي تلفظ فيه لا يشرع إيقاع هذا الذكر فيه.
فسواءٌ أكان في حال القراءة أم حال الرفع من الركوع، أم تشهد بين السجدتين في جلسته بينهما، فكل هذا إذا سها فيه فقد قال رحمه الله: (لم تبطل، ولم يجب له سجود، بل يشرع).
وهذا النوع من الأقوال يعتبر متردداً في القياس، أي: يعتبر قياسه قياس شبه، وهو عند الأصوليين (أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفين في الحكم)، فأنت إذا نظرت إليه وقلت: إن هذا القول مشروع في أصله.
فإن زيادته في الصلاة توجب سجود السهو، كما لو زاد في الصلاة ذكراً في موضع لا يشرع أداء ذلك الذكر فيه، كأن يتشهد مرتين في موضع التشهد فإنه يسجد للسهو، فحينئذٍ إن قسته على من تشهد مرتين أو قرأ الفاتحة مرتين قلت: يسجد للسهو؛ لأن الذكر مشروع في أصله، ولأن إيقاع التشهد الثاني وقراءة الفاتحة مرة ثانية واقع في غير موقعه، فهذا إذا قلت: إنه يسجد للسهو.
وإن قلت: لا يجب عليه سجود السهو فذلك لأن المكان ليس بمكان هذا الذكر، فأشبه الفعل الخارج عن الصلاة والقول الخارج عن الصلاة، فلذلك تقول: إنه قول زائد عن الصلاة، فلا يشرع سجود سهو له، كما لو فعل اليسير من الأفعال فلا يجب عليه أن يسجد سجود السهو.
فتوسط أصحاب هذا القول بين الأصلين وقالوا: لا يجب عليه سجود السهو؛ لأن الموضع ليس بموضع الذكر، ويشرع له، أي: لو سجد لشرع له لمكان الأصل الذي يلتحق به، كما لو كرر الفاتحة أو كرر التشهد.
فالمصنف رحمه الله ذهب إلى هذا القول المتوسط فرأى أنه لا يجب عليه سجود سهو، ولكن لو سجد فلا حرج، وهذا معنى قوله: (بل يشرع) أي: له أن يسجد.
فلو سألك سائل وقال: أنا قرأت التشهد قائماً، قلت له: لا يجب عليك أن تسجد، وإن سجدت فلا حرج.
ولو سألك وقال: قرأت الفاتحة ساجداً، أو حال التشهد، أو بين السجدتين تقول: لا يجب عليك أن تسجد للسهو، وإن سجدت فلا حرج.