تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج منه

قال المصنف رحمه الله: [وتقديم رجله اليسرى دخولاً واليمنى خروجاً].

آداب الخلاء على قسمين: القسم الأول: آداب قولية، وقد سبق بيان أدب قولي يقال قبل الدخول وأدب قولي يقال بعد الخروج.

والقسم الثاني: آداب فعلية، ومن الآداب الفعلية أن الإنسان إذا أراد دخول الخلاء قدّم رجله اليسرى وأخّر رجله اليمنى، وإذا أراد الخروج قدّم رجله اليمنى وأخّر اليسرى؛ لأن الشريعة قصدت تكريم اليمين على اليسار، فجهة اليمين مفضلة مشرفة على اليسار، ولذلك دلت نصوص الكتاب والسُّنة على تعظيم جهة اليمين، فجعل الله أصحاب الجنة أصحاب اليمين -جعلنا الله وإياكم منهم-، وكذلك أيضاً جعل السعيد من نال كتابه بيمينه، وكذلك أيضاً أثنى على اليمين ضمناً حينما ذكرها بصيغة الإفراد في مقابل الجمع، كما قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ} [النحل:48] فقال: (عن اليمين) فأفرد، وقال: (والشمائل) فجمع، والعرب تجمع في مقابل المفرد تعظيماً للمفرد، كما قال الله تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] فجمع الظلمات وأفرد النور، وهو أسلوب عربي يدل على تشريف المفرد على الجمع، فجهة اليمين مشرفة على جهة الشمال بدلالة قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ} [النحل:48] وجاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله)، وفي حديث السنن: (إذا لبستم فتيامنوا) أي: إذا لبس الإنسان ثوباً أو عباءة أو حذاء فإنه يقدم الجهة اليمنى من يد وشق ورجل على الجهة اليسرى، فإذا أراد الخروج من الخلاء قدّم رجله اليمنى وأخر رجله اليسرى؛ تشريفاً لليمين؛ لأن الخروج أفضل من الدخول، ففي الدخول يقدم المفضول على الفاضل، وفي الخروج يقدم الفاضل على المفضول، فيقدم رجله اليمنى ويؤخر رجله اليسرى.

قال المصنف رحمه الله: [عكس مسجد ونعل].

(عكس مسجد) فمن دخل المسجد قدّم رجله اليمنى للدخول وأخّر رجله اليسرى، وإذا أراد الخروج قدّم اليسرى وأخّر اليمنى، وقد ورد فيه حديث عند الحاكم أن من السنة تقديم اليمنى على اليسرى عند دخول المسجد.

واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة لطيفة هي: لو أن إنساناً أراد أن يخرج من بيته إلى المسجد -عرفنا أنه إذا أراد دخول المسجد قدّم اليمنى وأخّر اليسرى، ولكن لو خرج من بيته قاصداً المسجد- فهل الأفضل أن يقدم رجله اليمنى؛ لشرف المقصود والغاية، أو يؤخّر اليمنى؛ لفضل المكان الخارج منه؛ لأن الخروج من البيت أدنى منزلة من الدخول، ولذلك إذا أراد أن يخرج يقدم اليسرى، لكن اختلفوا في الخروج إلى المسجد هل يقدم اليمنى؛ لشرف الغاية، أو يقدم اليسرى مراعاة للحال؟ والأقوى: أن يقدم اليسرى مراعاة للحال، فإن الأصل الملتصق بالفعل مقدم على ما انفصل عنه، فالأولى أن يقدم يسراه للخروج من المنزل، ولو خرج لطلب علم ولتعليم ولجهاد ولصلاة ولدعوة ونحو ذلك فكذلك أيضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015