بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وواجباتها التكبير غير التحريمة] الواجبات: جمع واجب، والضمير عائد إلى الصلاة، أي: واجبات الصلاة، فعَطَفَ رحمه الله الواجبات على الأركان، أي: إذا علمت أحكام الأركان فاعلم أن هناك أموراً واجبة، وأن للصلاة واجبات، ثم شرع في بيان هذه الواجبات، وهذا -كما يسميه العلماء- من باب التدرج من الأعلى إلى الأدنى.
وهذه والواجبات لها أحكام: الحكم الأول: أنه يثاب فاعلها.
الثاني: يعاقب تاركها.
الثالث: من تركها متعمداً بطلت صلاته.
الرابع: أن من ترك هذا الواجب ساهياً فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون منفرداً أو إماماً، أو يكون مأموماً، فإن كان منفرداً أو إماماً وجب عليه أن يجبر هذا الواجب بسجود السهو، وأما إذا كان مأموماً فإن الإمام يَحمِل عنه الواجب، وبناء على ذلك اتفقت الأركان والواجبات في كون كل منهما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وانفردت الواجبات بأن تركها نسياناً يُجبر بسجود السهو، والأركان إذا تركت نسياناً وجب جبرها بالفعل، فالواجبات تجبر بسجدة السهو والأركان لا تجبر، بل لابد من فعلها.
ثم إن الواجبات يحملها الإمام إذا نسيت أو سهيت أو لم يمكنك فعلها، ولكن الأركان لا يحملها الإمام عنك البتة، بل ينبغي عليك فعلها، وإن لم تفعلها وجب عليك قضاء الركعة كاملة، فهذا بالنسبة للفرق بين الواجبات وبين الأركان في الصلاة.
قوله: [التكبير غير التحريمة] أي: من الواجبات التي أوجبها الله عز وجل في الصلاة التكبير غير التحريمة، والتكبير لفظ: (الله أكبر)، وهذا التكبير يسميه العلماء بتكبير الانتقال، أي: يجب على المصلي أن يُكبر عند انتقاله من ركن إلى ركن، فإذا أراد أن ينتقل من القيام إلى الركوع قال: الله أكبر.
وإذا أراد أن ينتقل بعد رفعه من الركوع إلى السجود قال: الله أكبر.
وإذا أراد أن ينتقل من سجوده إلى الجلسة بين السجدتين كبَّر.
وإذا أراد أن ينتقل منها إلى السجود كبر، وهكذا، فهذا التكبير الذي يقع بين الأركان لكي تنتقل به من ركن إلى ركن يسميه العلماء تكبير الانتقال.
وقوله رحمه الله: [التكبير غير التحريمة] المراد بالتحريمة تكبيرة الإحرام، وهي ركن وليست في مرتبة الواجبات، وإنما هي في مرتبة أكبر، فالتكبير من غير تكبيرة الإحرام واجب.
فلو أن إنساناً كان يصلي لوحده فقرأ الفاتحة، ثم قرأ السورة، ثم ركع ونسي أن يكبر فإنه يجبره بسجود السهو لأنه واجب عليه، فإن تعمد فركع دون أن يكبر قاصداً ترك التكبير بطلت صلاته فرضاً كانت أو نفلا.
فهذا معنى قولهم: (التكبير غير تكبيرة الإحرام) أي: يلزمك إذا صليت فريضة أو نافلة أن تكبر تكبيرة الانتقال، فلا تنتقل من ركن إلى ركن إلا بهذا التكبير، فلو حصل أن تركت هذا التكبير قاصداً ومتعمداً بَطَلت صلاتك نفلاً أو فرضاً، ولو حصل أن تركته سهواً قلنا: إن كنت منفرداً تجبره بسجدتي السهو قبل السلام لمكان النقص، وإن كنت مع الإمام حَمَل الإمام عنك هذا السهو لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإمام ضامن) كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وأحمد في مسنده، فقد دل هذا الحديث على أن الإمام ضامن، والمراد بضمانه ضمان صلاة من وراءه، وذلك بحمل الواجبات دون الأركان، كما هو معلوم ومقرر عند العلماء.
وهكذا الحكم لو أن إنساناً بدلاً من أن يكبر للركوع قال: سمع الله لمن حمده، فأبدل ذكراً مكان ذكر في الانتقال، أو أراد أن يسجد فقال: (ربنا ولك الحمد) سهواً، فإنه حينئذٍ يمكنه التدارك إن أمكنه، وإن لم يمكنه التدارك فإنه لابد وأن يأتي بسجدتي السهو على التفصيل الذي ذكرناه.
أما دليل وجوب التكبير فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا كبر فكبروا)، وهذا أمر، وشمل تكبيرة الإحرام وغيرها للإطلاق، ولكن خُصَّت تكبيرة الإحرام بالزيادة لورود النصوص فيها، كقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير)، ونحوه من النصوص التي ذكرنا، ودلت السنة على وجوب تكبير الانتقال، وبناء على ذلك فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بالتكبير يوجب علينا التكبير.