قال رحمه الله تعالى: [والتسليم].
التسليم وهو الركن الأخير، والمراد بذلك أن يقول: السلام عليكم، وهذا أقل قدر يصح به التسليم.
فلو أن مصلياً قال: (السلام عليكم) تسليمةً واحدة، فإنه يُجزيه وتتم صلاته.
وهناك صفات أُخرى في التسليم، منها: الصفة الأولى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله.
الصفة الثانية وهي المشهورة: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
الصفة الثالثة: السلام عليكم ورحمة الله (عن اليمين) السلام عليكم (عن اليسار).
الصفة الرابعة: السلام عليكم عن اليمين فقط.
وهذه أربع صفات من فعل واحدة منها فإنه قد خرج من صلاته.
وقوله: [التسليم] المراد به التسليمة الأولى، فلو أنه سلَّم التسليمة الأولى ثم أحدث فإن صلاته تصح وتجزيه، ولو أنه سلم التسليمة الأولى فمرت بين يديه امرأة قبل أن يسلم التسليمة الثانية فإن صلاته صحيحه؛ لأن التسليم قد حصل بالأولى، والثانية تعتبر سنةً وليست بواجبة.
أما دليلنا على أن التسليم ركن فقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وفائدة كونك تجعل التسليم ركناً تظهر عند حصول الموجِب لبطلان الصلاة قبل التسليم.
فلو أن إنساناً تشهد وقبل أن يسلِّم انتقض وضوؤه فإنه حينئذٍ تبطل صلاته؛ لأنه بقي ركن من أركانها، وهكذا لو أنه صلى وفي التشهد مرت امرأة، أو مر حمار أو كلب -أكرمكم الله-، فعلى القول بأن هؤلاء يقطعون الصلاة فإننا نحكم بأن صلاته قد بطلت؛ إذ لا بد من وقوع التسليم قبل وجود المُخِل، فما دام أن التسليم ركن فإن الصلاة لا تصح.
وقد خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فإنه يرى جواز الخروج من الصلاة بصنعة، فلو أن إنساناً التفت وقصد بهذا الالتفات الخروج فإنه يخرج من صلاته، وهكذا لو صنع أي شيء يُخِل بالصلاة قاصداً به الخروج من الصلاة فإنه يجزيه ويعتبر خارجاً من الصلاة.
والصحيح أن الخروج من الصلاة عند تمامها، أو قبل تمامها -كأن تُقام الصلاة وأنت في الركعة الأولى وتريد أن تخرج منها- أن تخرج بالتسليم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، ولم يفصِّل صلى الله عليه وسلم بين كمالها وبين نقصانها.
فلو قال قائل: قوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم) المراد به أن يكون بعد تمام الصلاة.
قلنا: هذا تخصيص بدون دليل يدل على التخصيص، بل إن ظاهر الحديث في سياقه يدل على أن التسليم مطلق، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها) يدل على أنك قد دخلت في الحرمات، وأن هذا الخروج من الحرمات يفتقر إلى شيءٍ تخرج به، فقال: (وتحليلها التسليم)، فالمقابلة تقتضي الملازمة، بمعنى أنك إذا دخلت في الحرمات لا تخرج من هذه الحرمات إلا بتسليم.
ومن الفروق بين قولنا: يخرج بتسليم، وقولنا: يخرج بدون تسليم أنك لو كنت ترى أن التسليم معتبر للخروج من الصلاة، فكبَّرت وقرأت الفاتحة وقرأت السورة فأُقِيمت الصلاة، وغلب على ظنك أن الصلاة ستفوتك لو استمررت في هذه النافلة، فأردت قطع هذه الصلاة فقطعتها بفعلٍ ولم تقطعها بتسليم فحينئذٍ لا أجر لك فيما مضى؛ لأنك أبطلت الصلاة بهذا الفعل؛ لأنه فعل غير شرعي، وخرجت به عن كونك مصلياً، لكن لو سلّمت معتداً بالأصل الشرعي، بأن دخلت بالتكبير وخرجت بالتسليم فإنه يكتب لك أجرها، وهذا إذا كنت ترى أن التسليم لازم.
وأما الحنفية فيرون أنه يجوز له أن يخرج بصنعة، ويقولون: إذا أقيمت الصلاة فله أن يلتفت، وله مباشرة أن ينوي القطع في قلبه ويُكبِّر للفريضة، فلو قال: (الله أكبر) تكبيرة الإحرام الثانية تنعقد الفريضة؛ لأنه قد قطع النافلة بنيته.
وهذا ضعيف مخالف لظاهر العموم؛ لأن الخروج من الصلاة جمع الشرع فيه بين الظاهر والباطن، فخروجه بمجرد نيته إنما هو خروج بالجزء؛ لأن الشرع في الصلاة المعهودة أن تخرج بالفعل الذي هو التسليم، أي: القول والفعل.
فقولهم: نيته كافية في الخروج إنما هو اجتزاء ببعض المطلوب مع أن الشرع اعتبر للخروج من هذه العبادة دلالة الظاهر، فلا وجه للاقتصار على دلالة الباطن وهي النية.
ولذلك يقوى مسلك الجماهير أنه لا بد من التسليم.