قال رحمه الله تعالى: [ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا] أي: إذا كان في ثلاثية أو رباعية يجلس في تشهده الأخير حال كونه متوركاً.
والتورك ثَبَتَ فيه حديث ابن عمر وابن الزبير رضي الله عن الجميع.
وهذا التورك للعلماء فيه ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن يجعل طرف قدمه اليسرى بين الساق والفخذ قريباً من الركبة، وهذا الوجه يصعب في حال ازدحام الناس، بل قد لا يتأتى؛ لأنه يحتاج إلى انفراج الإنسان قليلاً حتى يتمكن من إدخال قدمه اليسرى بين ساقه وفخذه قريباً من الركبة.
الوجه الثاني: أنه يؤخِّرها حتى يقترب من الإلية.
الوجه الثالث: أنه يُنزلها ويجعلها تحت الساق، وتكون على صورتين: الأولى تكون فهيا مقدمة، بمعنى: قريبة من الركبة.
والثانية: تكون مؤخرة بحيال القدم المنصوبة.
فهذه كلها أوجه في التورك لا حرج على الإنسان أن يفعل أي واحدةٍ منها.
وتشرع في الثلاثية والرباعية.
والجلوس في الصلاة على صورتين: الأولى: الافتراش، وهي أن تجعل اليسرى بمثابة الفراش، فظاهرها على الأرض وباطنها الذي يلي الأرض عند المشي يكون إلى الإليتين، وينصب رجله اليمنى، ويجعل أصابعه مستقبلة القبلة، فهذا يسمى الافتراش، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه.
الثانية: التورك الذي ذكرناه.
والعلماء رحمة الله عليهم لهم في هذه الجلسات ثلاثة مذاهب: فمذهب يقول بتقديم الافتراش على التورك، كما هو اختيار الحنفية ومن وافقهم.
ومذهبٌ يقول بتقديم التورك على الافتراش، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم.
ومذهبٌ يرى التفصيل، كما هو اختيار الحنابلة والشافعية، وهو الأرجح.
ومذهب التفصيل هو أنه إن كان في ثنائيةٍ بعدها سلام، أو في التشهد الأول من الرباعية أو الثلاثية فإنه يفترش ولا يتورك، وإن كان في رباعيةٍ، أو في ثلاثيةٍ وجلس للسلام فإنه يتورك ولا يفترش، فهؤلاء يرون أن الافتراش يكون في الثنائية، ويكون في الجلسة الأولى من الرباعية، بمعنى أفهم يرونه في كل ركعتين، وأما التورك فيرونه لجلسة السلام.
ولذلك بعض العلماء يقول: إن كانت ثلاثيةً ورباعيةً جلس متوركاً لسلامه، ويجلس مفترشاً في التشهد الأول، وفي كل ثنائية.
فهذا بالنسبة للمذهب الذي يقول بالتفصيل، فجمع بين الأحاديث، وقد جاء في حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش ويتورك على حسب حاله في التشهد من كونه مسلِّماً أو غير مسلِّم.
فإذا قلنا بالتفصيل فإنه قد يقال: هل التورك في الرباعية والثلاثية من أجل السلام، أم من أجل العدد؟ وهذا يتفرع عنه ما لو صلى الوتر، فإن قلنا: إن جلوسه متوركاً في الرباعية والثلاثية من أجل السلام فحينئذٍ يتورك في الوتر.
والأقوى عندهم أنه لا يتورك؛ لأنه في الفجر لا يتورك، ومن بعده السلام؛ وبعض العلماء الشافعية يرون أنه يتورك لتشهد السلام، فيرى أنه إذا أراد أن يسلِّم تورَّك لكل تشهد من بعده سلام، وافترش لكل تشهدٍ لا سلام بعده.