Q يحدث كثيراً أن بعض المصلين يفوتهم شيء من الصلاة، فإذا قاموا ليقضوا ما فاتهم جاء رجلٌ من خارج المسجد وائتم بأحد هؤلاء، فهل يصح ذلك؟
صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فيها تفصيل، فإذا صليت مع الجماعة وأدركت الجماعة فلا تخلو من حالتين: فإن أدركت ركعةً فأكثر فقول جماهير العلماء أنه لا يصح الاقتداء بك؛ لأنك مأموم ولست بإمامٍ، ولا يصح للمأموم حُكماً وفضلاً أن يصير إماماً، ولا يعرف في الشرع هذا إلا في مسائل الاضطرار كالاستخلاف.
وقال بعض العلماء -وهو وجهٌ ضعيف عند الشافعية-: يجوز أن يصلي المأموم الذي أدرك الإمام بجماعةٍ ثانية، واستدلوا على هذا بوجود صلاة الخوف في الاستخلاف، ولكن هذا المذهب ضعيف، وبيّن العلماء رحمهم الله أنه قولٌ ضعيف ولا يقوى دليله.
والصحيح أن من أدرك ركعةً فأكثر أنه مأموم وليس بإمام، ولا يحمل عن مأمومه الصلاة وهو منها في حلّ، ولذلك لا يكون المأموم إماماً.
أما بالنسبة للحالة الثانية فهي أن لا تدرك ركعةً مع الإمام، كأن تدرك الإمام وقد رفع من الركوع الأخير، سواءٌ أدركته بين الرفع وبين السجود، أم أدركته في السجدة قبل الأخيرة، أو السجدة الأخيرة، أو في التشهد، فإذا أدركته في هذه الحالة جاز لك أن تصير إماماً لغيرك؛ لأنك وبالإجماع تأخذ حكم المنفرد، ألا تراهم في هذه الحالة يقولون: إنك لو أدركت إمام الجمعة في التشهد أو بعد الركعة الأخيرة فإنك تصلي ظهراً على الراجح، فدل ذلك على أنك مدركٌ لفضل الجماعة لا لحكمها، فتكون إماماً من هذا الوجه، ولذلك رخص العلماء في هذه الصورة، فإذا دخلت مع إنسان معك تقول له: إذا سلّم الإمام ائتم بي حتى تكون النية منقعدة، فإذا سلّم الإمام تقوم أنت فتكبر فيتبعك دون أن تكلمه، فتنعقد لكم الجماعة، فيحصل لكم فائدة دخولكم في الجماعة الأولى، وفائدة الجماعة الثانية من جهة الاقتداء.
ولذلك الأفضل للإنسان إذا دخل أن يتبع الإمام، بل قال العلماء: يجب على من دخل المسجد ولو بقيت لحظة على سلام الإمام أن يدخل معه، ولو لم يدخل يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا)، وهذا نص من السنة، وإن كان بعض الشافعية رحمهم الله اختاروا على أنه لا حرج أن يحدث جماعة ثانية، لكنه وجه شاذ؛ لأن الإسلام يحرص على الجماعة ولا يريد الشذوذ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لما رأى الرجلين لم يصليا قال: (ما منعكما أن تصليا في القوم، ألستما بمسلمين؟!!)، فدل على أنه لا يجوز إحداث جماعة في داخل المسجد مع وجود الجماعة الأولى، ولأنه يحتمل أن الإمام بقيت عليه ركعة كأن يكون سلّم من ثلاث وهو في ظهر سهواً، فلذلك لا يحكم بجواز إحداث الجماعة الثانية ما دام أن الإمام لم يسلم من الجماعة الأولى، ولأن إدراكك للجماعة الأولى أفضل من إحداث جماعةً ثانية؛ لأنك إذا أدركت الجماعة الأولى أدركت فضلاً في الوقت لم تدركه الجماعة الثانية، واللحظة اليسيرة في أوقات الصلاة بينها وما بعدها كما بين السماء والأرض، ففي الحديث: (إن العبد ليصلي الصلاة، وما يصليها في وقتها، وإن ما فاته من وقتها خيرٌ له من الدنيا وما فيها)، فقد يكون وقتاً يسيراً جداً ما بين الجماعة الأولى والثانية، فتفوت على نفسك الفضل بإحداث الجماعة الثانية، ثم إن هذا شذوذ ويخالف ظاهر السنة في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا)، فدل على أن من دخل المسجد يلزم بالدخول مع الجماعة، ولا يجوز له أن يختلف عن الإمام والشذوذ عنه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.