يقول المصنف رحمه الله بعد أن ذكر الوضع: [ثم يقبض كوع يسراه تحت سرته].
هذا وجه في محلهما، وفيه أثر عن علي رضي الله عنه -وهو غير صحيح- في وضع اليدين تحت السرة، وهو مذهب الحنفية أيضاً.
والصحيح أن السنة وضعهما على الصدر، وثبتت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبالغ في رفعها في الصدر حتى يصل إلى الرقبة؛ لأن هذا ليس بالسنة، وإنما السنة أن تكونا على الصدر، وذلك على القصد دون تكلف، وإذا وضعها قال بعض العلماء: يقبض يمينه على شماله جهة قلبه؛ لأنه أشرف الأماكن ولا وجه لهذا التخصيص، والسنة مطلقة، فإن الإنسان يضع يمناه على يسراه على صدره كما ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو السنة والذي يستحب للإنسان أن يتحراه، وإن وضع الكف على الكف فقد ثبت وضع يمينه على شماله على ظاهر الحديث، وإن وضعها على الرسغ -وهو المفصل الذي يكون بين الكف والساعد- فحينئذٍ لا حرج، وإن وضعها على الساعد فلا حرج، والناس يختلفون على حسب اختلاف الأماكن ضيقاً واتساعاً، وإن أراد الإنسان أن يفعل هذا مرةً ويفعل هذا مرةً ويفعل هذا مرةً فكل ذلك سائغ، وكلٌ على خير وسنة، ولا حرج على الإنسان في فعله.
لكن الأخذ بالمرفق يعتبر من المخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه وضع أو ألقم كفه الأيمن مرفقه الأيسر، فهذا ليس من السنة في شيء، وهكذا لو عكس.
والسنة في وضع اليدين أن تكون اليمنى هي العليا واليسرى أسفل، وليس من السنة وضع اليسرى على اليمنى، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما رأى الرجل وضع يسراه على يمناه نزع، فجعل يمناه على يسراه)، وهذا تشريف وتكريم، ويدل على فضل اليمين على اليسار.
وقد أخذت منه فائدة، وهي خلاف العلماء رحمهم الله: هل الأفضل في الميت إذا كفن في ثلاثة أثواب أن يكون أحسنها جمالاً مما يلي الميت، أو الأفضل أن يكون من خارج لمنظر الناس؟ فالذين يقولون يكون من الخارج قالوا: الأفضل يكون الأعلى، ولذلك لما أريد تشريف اليمنى جعلت هي الأعلى، مع أن اليسرى وليت البدن، وكذلك الأفضل في الكفن أن تكون العليا هي الحسنة، إضافةً إلى أنه جمالٌ له أمام الناس، وأبلغ في زينته لكفنه، وأجمل له في حاله، فهذه من المسائل التي خرجت على ما ذكرنا؛ لأنه لما جعل عليه الصلاة والسلام اليمنى على اليسرى دل على أن الأعلى أشرف وأفضل وإن كان الأدنى والياً للبدن أو مباشراً.