حكم المفارقة للمؤتم بلا عذر

قال المصنف رحمه الله: [وإن انفرد مؤتمٌ بلا عذرٍ بطلت].

أي: إذا كنت مأموماً وأردت أن تنفرد عن إمامك فتصير منفرداً، لتنتقل من الأدنى وهو كونك مأموماً إلى الأعلى وهو كونك منفرداً، فقال: [لم يصح].

أي: أنه لا يصح من المكلف أن ينفرد عن الإمام وذلك لارتباط صلاته بصلاة الإمام.

وقد ينفرد بعذر ويستوي في ذلك أن يكون العذر متعلقاً به أو بغيره، فمثال تعلقه به: كإنسان استفتح إمامه بسورةٍ طويلة، ومعه مرَض -كما يجري لبعض من ابتُلِي بالسكر ونحوه- فيضيق عليه الحصْر، ويَخشى أن يستضر بهذا، فيحتاج إلى قطع الصلاة، فيقطع الصلاة مع إمامه، أي: نية الائتمام، ويبقى منفرداً يتم لنفسه.

وأما ما يتعلق بغيره فكامرأةٍ خافت على صبيها وهي مأمومة، فتنفرد وتُتِم لنفسها عند خوف الضرر عليه ثم تدركه؛ لأنها مصلحةٌ قد تصل إلى الضرورة، وأقلها الحاجة.

وبناءً على ذلك إذا احتاج الإنسان للقطع لمصلحته أو مصلحة غيره جاز، كما قال المصنف: [لعذرٍ]، فيستوي أن يكون العذر في الشخص أو في غيره، لكن إذا علمنا أنه يجوز للإنسان عند العذر أن ينفصل عن إمامه ولا يجوز له عند عدم العذر، فما الدليل على الجواز؟

و صلى الله عليه وسلم الدليل على الجواز ما ثبت في الحديث الصحيح عند مسلم أن معاذاً رضي الله عنه استفتح الصلاة بقومه ثم قرأ بالبقرة، فتخلف أو انفرد رجلٌ عن الصف، فأتم لنفسه، ثم رجع إلى بيته، فأُخبِر معاذ بخبره، فقال: إنه منافق، فقال: لست بمنافق.

ومضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إن معاذاً يصلي معك ثم يأتينا بآخرته، وإنا أصحاب حرثٍ وزرع، ثم ذكر القصة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أفتانٌ أنت يا معاذ؟ أفتانٌ أنت يا معاذ؟) الحديث، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجل إتمامه لنفسه، وذلك لوجود العذر.

ومن ثمّ قالوا: إنه يجوز للإنسان عند وجود العذر أن ينفرد عن إمامه إذا خشي إطالته، وغلبة الظن كالتحقيق، فإذا كنت تعرف الإمام، أو يغلب على ظنك أنه يطيل وانفردت عنه كأنك متحققٌ أنه يطيل، والقاعدة أن الغالب كالمتحقق، وبناءً على ذلك لا حرج عليك لوجود العذر، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها ورحمة الله بعباده، فإن الإنسان إذا كان معذوراً وأُلزِم أن يتم صلاته وراء الإمام استضر، ولربما حصل الضرر بغيره، كالمرأة يحصل الضرر لصبيها، وحينئذٍ يجوز للإنسان أن يقطع ولا حرج عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015