قال المصنف رحمه الله: [فيجب أن ينوي عين صلاةٍ معينةٍ، ولا يشترط في الفرض والأداء والقضاء والنفل والإعادة نيتهن].
قوله: (فيجب) الفاء للتفريع، أي: إذا علمت أن النية لازمةٌ فإنه يتفرع على ذلك أنه يجب على المكلف أن ينوي الصلاة المعينة، ويستوي في ذلك أن تكون فريضةًَ أو نافلة، فالصلاة المعينة من الفرائض كصلاة الظهر ينوي أنها ظهر، وصلاة العصر ينوي أنها عصر، وهكذا المغرب والعشاء والفجر، وهكذا لو نذر صلاةً؛ فإن الصلاة المعينة تنقسم إلى قسمين: نفل وفرض، فالفرض كالصلوات الخمس، وفي حكمها الصلاة المنذورة، فلو أن إنساناً قال: لله عليّ أن أصلي اليوم مائة ركعة؛ فإنه حينئذٍ يُلزم بهذه المائة، ويُعتبر نذراً يجب الوفاء به؛ لأنه نذر طاعة، فيجب عليه أن يعين هذه الصلوات التي يصليها لنذره.
وهكذا بالنسبة للنافلة، والنافلة تنقسم إلى قسمين: النافلة المعينة والنافلة المطلقة التي هي غير مقيدةٍ، كإنسانٍ يريد أن يتقرب إلى الله عز وجل بصلاةٍ دون أن تكون لراتبةٍ أو وترٍ أو نحو ذلك، فالمقصود أن النافلة تنقسم إلى هذين القسمين: نافلةٍ معينة كالوتر والسنن الراتبة القبلية والبعدية وصلاة الضحى، فهذه توصف بكونها نافلةً معينة، ونافلةٌ مطلقةٌ، كإنسانٍ يريد أن يتقرب إلى الله، فتوضَّأَ وصلى ركعتين -على القول بأن ركعتي الوضوء ليست من النوافل المعينة-، أو صلى ناوياً التقرب إلى الله عز وجل بمطلق النفل، فهذه تعتبر نافلةً غير مقيدة.
فإذا ثبت أن الفرائض معينة، وهناك نوافل معينة وغير معينة فيجب عليك إذا أردت أن تؤدي الفرائض أن تعيِّنها، فتعيِّن الظهر وتعين العصر وهكذا بقية الفروض، وتعيِّن الوتر وتعين السنن الراتبة في النوافل، فلو أن إنساناً أحرم قبل صلاة الظهر بين الأذان والإقامة دون أن يُعيِّن أنها للراتبة القبلية صحت نفلاً مطلقاً، ولا نقول: إنها تحل محل الراتبة القبلية؛ لأن الراتبة القبلية نافلةٌ مقيدة ومعينة، فلا بد من تعيينها والقصد إليها، فإذا لم يُعينها ولم يَقصد إليها فإنها لا تعتبر لقوله عليه الصلاة والسلام: (وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، فهذا نوى النافلة المطلقة فلا تجزيه عن النافلة المقيدة.
وقوله: [ولا يشترط في الفرض والأداء والقضاء والنفل والإعادة نيتهن] أي: ولا يشترط في الفرض أن ينوي فرضاً، فالإنسان إذا أراد أن يصلي الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر لا يُشترط أن ينوي الظهر فريضةً، وإنما ينوي الظهر، فإذا نوى الظهر أجزأه ذلك.
أما تفصيل المنوي فإنه يؤدي إلى الاسترسال، والمؤدي إلى الاسترسال باطل؛ فإنه لو قلنا بوجوب أن ينوي الفرض فرضاً، لزِمه أن ينوي أداءً أو قضاءً، ثم حاضراً أو مسافراً، أربع ركعات أو ركعتين، مع إمامٍ أو منفرد، فيسترسل إلى ما يضر بالناس ويوجب الوسوسة لهم والحرج عليهم، وكل ما أدى إلى باطلٍ فهو باطل، ولذلك اكتُفي بتعيين الفرض، فإن نوى أنها للظهر فهي ظهر، فلا نلزمه بنية أنها فرض، ولا نلزمه بنية أنها أداءٌ أو قضاء.
ويتفرَّع على هذا لو دار بخلده أن الشمس لم تطلع بعد في صلاة الفجر، فأحرم بالصلاة ظاناً أن الشمس لم تطلع وفي نيته أنه يؤدي، ثم تبين أن الشمس قد طلَعت، فحينئذٍ يجزيه ولا يُطالب بالإعادة؛ لأنه لا يشترط تعيين الأداء والقضاء، فإذا أُلزِم بتعيين المؤاداة والمقضية لم يصح إيقاع إحداهما عن الأخرى، وهذا وجه إسقاط اشتراط الأداء والقضاء والفرض.
فغاية ما يطالب به المكلف أن ينوي عين الفرض، سواءٌ أكان من الفروض الخمسة أم كان من الفرائض التي جاءت بأسبابها، كركعتي تحية المسجد عند من يقول بوجوبها، ينوي أنها تحيةٌ للمسجد.
وهكذا لو قلنا بوجوب ركعتي الطواف في الطواف الركن، فإنه ينوي أنها عن طوافه الركن، وقس على هذا.