بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب اليمين في الدعاوى].
اليمين في الدعاوى حجة من حجج القضاء؛ ولذلك دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين، من حديث الأشعث رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس لك إلا يمينه) أي: ليس للمدعي إذا لم تكن له بينة إلا أن يحلف خصمه، فليس له إلا ذلك، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الحاكم وغيره بسندٍ صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، وقوله: (اليمين على من أنكر) هذا أصل يستدلون به في مسألة خاصة، وهي مسألة: شهادة أهل الكتاب على وصية المسلم في السفر، وهي التي تقدمت معنا.
وفي آية المائدة في قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المائدة:106]، فقوله: (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ) أقام الله عز وجل اليمين للتوثيق في القضاء والحكم، وكذلك أيضاً أقام أيمان اللعان وقد تقدمت معنا، ودلّ على اعتدادها؛ لأنها قامت مقام الشهود، وهذا يدل على أنها يمين لها تأثير في القضاء وأنه يحكم بها.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة حويصة ومحيصة ابني مسعود، مع عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل ابني عمهما: ذلك أن عبد الله بن سهل انطلق مع محيصة بن مسعود إلى خيبر، فافترقا في بعض أماكنها، فرجع محيصة إلى المكان الذي تواعدا فيه مع عبد الله بن سهل، فوجد عبد الله بن سهل رضي الله عنه يتشحط في دمه، والشاهد من هذا: أنه دفنه ثم رجع إلى المدينة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رفعوا القضية إليه: (تحلفون خمسين يميناً على رجل منهم فتستحقون دم صاحبكم)، وقد تقدم هذا معنا في القسامة، وهذا يدل على أن اليمين حجة في القضاء.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا حينما قال للأشعث: (شاهداك أو يمينه، قال: يا رسول الله! الرجل فاجر يحلف ولا يبالي، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا يمينه).
فدل على أنها تقبل من البر والفاجر.