قال رحمه الله: [ويقبل في المال وما يقصد به كالبيع والأجل والخيار فيه ونحوه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي].
بالنسبة للحدود لا تقبل فيها شهادة النساء، ولا يقبل فيها شاهد ويمين، بل لا بد فيها من شهادة رجلين، كالسرقة، فإنه لا تثبت بشهادة أربع نسوة، ولا بامرأتين مع رجل، فلا تقبل فيها شهادة النساء، وهذا له حكمة، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له طلاب العلم؛ لأن كثيراً من أعداء الإسلام يتكلمون على الشريعة الإسلامية أنها تظلم المرأة، وشاهت وجوههم! فليس هناك شرع أتم ولا أكمل من شرع الله عز وجل، وهو الذي أعطى كل ذي حقٍ حقه، ولذلك لا تقبل شهادة المرأة في الحدود لسبب، وتقبل شهادتها في الأموال وغيرها لسبب، ولو كان المراد أذية المرأة لما قبلت شهادتها مطلقاً، ولكن قبلت شهادتها حيث غلب على الظن الوثوق بقولها، وردت حيث كان العكس.
والمرأة في طبيعتها وجبلتها ليست كالرجل، يرضى من يرضى ويسخط من يسخط، والله تعالى يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، فهذا شرع الله ونص الله عز وجل على أن الذكر ليس كالأنثى، لا في التكاليف ولا في القدرة والتحمل والصفات، ولذلك جعل الله من الشرائع ما يختص بالرجال دون النساء، وهذا لا ينقص المرأة أبداً؛ بل هذا جاء من العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، حيث لم يكلف ولم يحمل الإنسان إلا ما يطيق.
والمرأة فيها ضعف، فقد خلقها الله ضعيفة، والله يخلق ما يشاء، يخلق القوي ويخلق الضعيف، وليس من حق الضعيف أن يقول: يا رب! لم خلقتني ضعيفاً؟ بل عليه أن يرضى ويسلِّم، فقد خلق الرجل في الأصل، وخلق المرأة من الرجل، وجعل التكريم للرجل، فلا يستطع أحد أن يقول: لماذا فضل الله الرجل على المرأة؟ فإن فضله بتفضيل الله، فقد خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته.
فالأصل في الخِلقة هو الرجل، ثم جاءت المرأة تبعاً للرجل، قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]، وهذا يرضى به من يرضى ويسخط من يسخط؛ لأن هذا نص القرآن، وعلى الإنسان أن ينتبه وأن لا يجامل في دين الله، ولا بد أن يقول الحق، ولا يزال الإسلام غريباً، وسيأتي ما هو أغرب من ذلك، فهذا نص القرآن يبين أن الأصل في الخِلقة هو الرجل، وأن المرأة خُلقت من الرجل، وحق الرجل على المرأة عظيم.
إذا ثبت هذا فالصفات الموجودة في المرأة ليست كالصفات الموجودة في الرجل، ولذلك تقدم معنا في القضاء وبيناه: أن من شروط القضاء: أن يكون رجلاًَ؛ لأن المرأة ضعيفة فلا تتحمل القضاء؛ وذلك لقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] أي: من الذي يتحلى ويتزين؟ إنه المرأة، وهذه طبيعتها، وهكذا خلقها الله لأجل أن يسكن إليها الرجل.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، فإذا حصلت خصومة فإنها لا تستطيع أن تبين عن نفسها، فكيف نجعلها قاضية تبين عن غيرها، وتتولى حقوق الناس وتقف فيها، وتجابه هذه المشاكل والمعضلات؟ قال تعالى: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] انظر إلى طبيعة المرأة، إذا جاءت مشكلة، ووقفت في وجه زوجها ليس في وجه أجنبي، وأرادت أن تبين حجتها، فلا تستطيع أن تكمل كلامها، بمجرد أن تدخل في الحجة تجدها تقول: أنت ما تفهم، أنت ما تريدني، طلقني، لا أريدك، وإذا بها تدخل في أشياء خارجة عن المشكلة، فهي لا تستطيع أن تبين عن نفسها.
وعندما نتكلم عن نقص المرأة قد يظن ظان أننا نريد أن نشمت بها لا؛ فإن هذه طبيعة تكوينها، وهكذا خلقت بالضعف الذي فيه رقة الأنوثة، وحنان الأنوثة؛ لكي تحتوي الرجل، وتكون للرجل كما شاء الله عز وجل بشيء يشرفها ولا يشينها؛ لأنها خلقة الله، فهي لا تلام على شيء خلقت له، ولو أن شخصاً ضعيف لا يستطيع أن يبين، وعبناه، فهل نعيب المخلوق أم الخالق؟ معناه: أننا إذا عبناه كأننا نعيب الخالق والعياذ بالله! ولذلك لا نستهزئ ولا يجوز لأحد أن يستهزئ بهذا، إنما هذا شرع الله، وهذه النصوص وهذه الحقائق من الله عز وجل.
فإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تبين عن نفسها، فكيف نقبل شهادتها في الحدود؟! فالمرأة من طبيعتها لو أنها جاءت في حادثة قتل مثلاً، فإنها بمجرد أن ترى أي شيء يزعجها تراها تصرف وجهها، وإذا لم تستطع أن تصرف وجهها وضعت يديها على وجهها، وهذا أمر واقع، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا، فما تستطيع المرأة أن تتحمل، قال تعالى حاكياً عن زوجة إبراهيم عليه السلام: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات:29]، وقال تعالى حاكياً عنها أيضاً: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا} [هود:72]، فقوله: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) وهي سارة، ومع أنها زوجة نبي فما استطاعت أن تتحمل لا في فرح ولا في حزن، فها هي في الفرح قالت: (يَا وَيْلَتَا) فلم تستطع أن تتحمل ذلك.
فالمرأة هذا تحملها وهذه طاقتها، ويأتي شخص ويقول: نريد أن نجعلها قاضية!! المرأة مكرمة في ديننا، والإسلام أعطاها حقها، وبين الله طاقتها وقدرتها، هذا هو الشيء الذي جبل الله عز وجل المرأة عليه، وهذه هي الفطرة، فإذا كانت المرأة لا تتحمل هذا الشيء، فلماذا تحملونها ما لا تطيق؟! ولذلك نجد أن من طبيعة المرأة إذا حدث شيء وبجوارها رجل فلا يمكن أن توجه ذلك الشيء لوحدها، بل مباشرة تنطلق إلى الرجل، ومن العجيب أن بعض الأطباء يقول: والله إن المرأة الطبيبة حتى في توليدها للنساء، إذا حدثت مشكلة وعندها رجل طبيب، فإنها تترك كل شيء وتذهب إلى الرجل، فلا تستطع أن تتحمل.
إذاً: إذا منعت من القضاء ومنعت من الشهادة، فهذا عين العدل، وعين الحق أن تعطي المخلوق قدرته وطاقته، ثم إذا كانت الشريعة قالت: إنه لا تشهد المرأة لوجود خلل، إذا كانت المرأة لا تتحمل أن ترى الدماء، ولا تتحمل أن ترى القتل والضرب والأذية، وكذلك في الحدود، حتى في الزنا لو أنها رأت المرأة فإن فيها شدة الغيرة، حتى ولو كان من رجل أجنبي مع امرأة فإنه يحدث منها الغيرة، وهذه طبيعة الفطرة وطبيعة الخلقة، وحينئذٍ يكون هناك نوع من الاعتداء في الشهادة، ووجود الخلل في شهادتها على الدماء، وفي شهادتها على الحدود، وفي شهادتها على الزنا، وكل هذا بسبب وجود الضعف الخَلْقِي الذي لا تلام فيه.
فالأصل يدل على هذا، وإذا ثبت هذا فإننا نقول: إن المرأة لا تقبل شهادتها إلا في الأموال، ثم لما قبلت في الأموال قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة:282]، فقوله: (أَنْ تَضِلَّ) أي: تنسى، قالوا: لأن المرأة لما ركبت من الشهوة في طبيعتها وفطرتها، وهذا له تأثير على العقل، والعقل نور من الله عز وجل، ومن أقوى ما يضعف العقل الشهوة، ومن تورع في الشهوات وصان نفسه عنها حفظ الله له نور عقله، ولذلك أعقل الناس هو أورعهم عن الشهوات، ومن هنا قالوا: إن الله عز وجل لما نهى عن قربان الفواحش ختم بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:151]، فهذه وصية من أجل أن يحصل العقل.
فالمرأة من حيث هي مركبة من الشهوة، ووجود الشهوة فيها من طبيعتها وجبلتها، وهذا يؤثر في تركيزها وفي ضبطها، ومن هنا قالوا: لأجل هذه الجبلة وهذه الطبيعة جعل الله شهادة المرأتين بمثابة شهادة الرجل الواحد، وهذا من أصل خلقتها، فإذا ثبت هذا فلا تقبل شهادتها إلا في الأموال، أو ما يئول إلى الأموال، فيستشهد رجل وامرأتان، ولو استشهدنا النساء منفردات على المال، لجاز ذلك؛ مثاله: لو باع رجل أرضاً لابن عمه وأشهد أربع نسوة؛ صحت وقبلت الشهادة؛ لأنها مال، وهكذا بالنسبة لغير الحدود مما تقبل فيها شهادة النساء.