شهادة الولد لوالده والعكس

[لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض] وذلك كالأب يشهد لابنه، والابن يشهد لأبيه، والأم تشهد لابنها، والجد من الآباء أو الأمهات لفروعهم وإن نزل، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]، والأب مع الابن متهم، فإنه لا ترضى شهادته، وهذه يسميها العلماء: شهادة التهمة، فمن العلماء من جمع هذه العوارض تحت أصل يسمونه: التهمة، ثم قال: التهمة من جهة الضبط كما في المغفل وخفيف الضبط، الذي ذكره المصنف رحمه الله في شرط الحفظ، وجعل من أنواع التهمة: تهمة البعضية، والبعضية: هي شهادة الوالد لولده، والولد لأحد الوالدين، فهذه تهمة البعضية، أن يكون الشاهد بعضاً من المشهود له، أو يكون العكس، فحينئذٍ لا تقبل الشهادة.

والدليل الأول على البضعية آية البقرة وهي في مسألة الشهادة، والدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما فاطمة بضعة مني)، والبضعة من الشيء قطعة منه، ومعناه: أن الأب إذا شهد لابنه كأنه شهد لنفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم)، فجعل الولد مع والده كالشيء الواحد، وهذا يدل على أن البعضية موجبة للتهمة ورد الشهادة، فلا يشهد الإنسان لنفسه.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل شهادة الوالدين للولد أو الولد للوالدين مردودة بأصل الشرع على ظاهر آية البقرة، أم أنها مردودة لفساد الزمان وحصول الريبة؟ وظاهر ما ورد عن الزهري رحمه الله قوله: كان السلف يقبلون شهادة الولد لوالده والوالد لولده، ثم لما ظهر فساد الناس امتنعوا من ذلك.

هذا وجه، وحينئذٍ تكون آية البقرة غير دالة إلا من جهة فساد الزمان، لا أنها في الأصل مردودة، وهذا ما يسمى: اختلاف الحكم باختلاف الزمان والمكان، والأقوى أنها رُدَّت في الأصل، ولذلك أثر عن علي رضي الله عنه أنه أعفى شريحاً من القضاء ثم رضي عنه ورده، وهذا في قصة مشهورة: حين شهد الحسن والحسين لأبيهما في قصة الدرع، فامتنع شريح رحمه الله من قبول شهادتهما، فغضب علي رضي الله عنه وقال: أترد شهادة سيدي شباب أهل الجنة؟! فمنعه علي من القضاء فترة ثم رده.

فعلى هذا الوجه يكون السلف فعلاً قد ردوا هذه الشهادة، وظاهر السنة يقوي كونها مردودة بالأصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوالد مع والده كالشيء الواحد وقال: (إنما فاطمة بضعة مني)، والإنسان لا يشهد لنفسه، وهذا أقوى من جهة الدليل.

وإذا شهد الأب على ولده بجريمة أو بحق، فإنه في هذه الحالة تقبل شهادته.

إذاً: إذا كانت الشهادة للولد من الوالد أو العكس فإنها لا تقبل، بخلاف ما إذا كانت عليهم، فإنها تقبل؛ لأن التهمة منتفية، بل إن غالب الظن أنه صادق؛ لأنه مع العاطفة ومع المحبة ومع الشفقة ومع ذلك شهد عليه، فدل ذلك على قوة صدقه، وهذه الموانع في البعض دون الكل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015