قال رحمه الله: [الرابع: الإسلام] أي: من الشروط الإسلام، فلا تقبل شهادة الكافر؛ وذلك لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة:282]، ثم قال: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، وقد قدمنا أن الكاف للخطاب، فخص به المؤمنين، فدل على أنه لا تقبل شهادة الكافرين.
هذا أولاً.
ثانياً: يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]، والكفر قد أهان الله أهله، والشهادة تكريم؛ لأن الشاهد يحكم على غيره، ومن هنا فلا يمكن أن يكرم من أهانه الله عز وجل.
ثالثاً: أنه لا تقبل شهادته على المسلم، وهذا ظاهر؛ لأن فيها نوعاً من العلو، وقد قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]، فالشاهد له سلطان وله علو وله قوة على المشهود عليه؛ لأنه يضر به ويقبل قوله، والكافر ليس بأهل لهذا العلو.
رابعاً: أن العداوة تحمل على الأذية والضرر، وأعظم العداوة عداوة الدين، فقد يعتقد الكافر التقرب لآلهته ومن يعبده بأذية المسلمين.
ومن هنا اجتمعت الأدلة العقلية والنقلية على عدم قبول شهادة الكفار، إلا في الوصية عند حضور الموت في السفر، أي: أن تكون الوصية في السفر، فتقبل من نوع خاص من الكفار وهم أهل الكتاب، ولا تقبل من غيرهم، لا تقبل شهادة المجوس ولا الوثنيين ولا المرتدين؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106]، وقد عمل الصحابة الكرام بهذه الآية الكريمة، كما في قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه حينما رفعت إليه قضية في شهادة اثنين من أهل الكتاب على وصية صحابي أو تابعي في سفره لم يجد من المسلمين، فأشهدهما، وحلفا بالله عز وجل أنهما لم يغيرا ولم يبدلا، فقبل شهادتهما على الصفة المعتبرة شرعاً، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فاجتمعت دلالة الكتاب والسنة على قبول شهادة الكفار، بشرط أن تكون شهادتهم على المسلمين في السفر على الوصية.
إذاً: لا تقبل شهادتهم في الحضر؛ لأن القرآن نص على هذا، وكذلك أيضاً لا تقبل شهادة الكفار ولو على كافر مثله، سواءً اتحدت ملتهما، كشهادة يهودي على يهودي، ونصراني على نصراني، أو اختلفت الملة مع اتفاق الأصل، كيهودي على نصراني، أو نصراني على يهودي، في اتفاق كونهما من أهل الكتاب، أو وثني على وثني، فكل هؤلاء لا تقبل شهادتهم مطلقاً.