قال رحمه الله: [البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبيان].
البلوغ: هو انتقال الصبي من طور الصبا إلى طور الحلم.
وقوله: (فلا) الفاء للتفريع، أو تفصيلية، والأصل في اشتراط البلوغ قوله تعالى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، والصبي ليس برجل هذا أولاً.
وثانياً: أن الصبي لا يوثق بقوله؛ لأنه ناقص الإدراك وناقص العقل، وقد يرى أشياء لا يميزها، وقد ينتابه الخوف وينتابه الاستعجال، فحينئذٍ لا يوثق بقوله وخبره.
ثالثاً: قال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]، والصبي لا ترضى شهادته للعلل التي ذكرناها، فاجتمع الدليلان: الدليل الأول: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، والصبي ليس من الرجال، وقد لفت إلى هذا الوجه ابن عباس حبر الأمة ترجمان القرآن رضي الله عنهما في دلالته على رد شهادة الصبيان.
وقد استثنيت مسألة وقع فيها الخلاف بين السلف رحمهم الله والأئمة، وهي: شهادة الصبيان بعضهم على بعض، فمثلاً: لو وقعت حادثة كأن يضرب صبي صبياً، أو حصل شيء بين الصبيان وهم مع بعض، فمذهب عبد الله بن الزبير من الصحابة والمالكية وطائفة من أهل العلم رحمهم الله: أنه تقبل شهادة الصبيان في هذه المسألة خاصة، واشترطوا شروطاً: الأول: أن يكون فيما بينهم؛ لأن الغالب أن لا يحضره الرجال، وهذا ما يسمونه: شهادة الحاجة، أي: أنه وجدت حاجة لقبولها، كالحوادث التي تقع بين الأطفال.
الثاني: أن لا يدخل بينهم كبير، وأن لا يختلطوا بالكبار، فيؤخذون بعد الحادث مباشرة، وتؤخذ أقوالهم بعد الحادثة، قبل أن يدخل بينهم كبير ويلقنهم، وقبل أن يختلطوا بأهليهم وبالناس، لأنه قد يحدث التخويف والترويع، فتختلف شهادتهم.
والصحيح: أنه لا تقبل شهادتهم مطلقاً؛ لظاهر النص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم-: الصبي حتى يحتلم)، فالصبي لا يوثق بقوله؛ لأنه ليس مؤاخذاً على كذب، وليس مؤاخذاً على خلل يفعله، ولو كان عمداً، ومن هنا ترد شهادته حتى ولو كانت على الصبيان.