قال رحمه الله: [يلزم الإمام أن ينفذ في كل إقليم قاضياً].
يجب على إمام المسلمين وولي أمرهم أن يختار القضاة للأمصار والأقاليم وفي الأماكن على حسب الحاجة، فيعين من هو أهل للقيام بهذه المصالح.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث القضاة -وممن بعثهم علي رضي الله عنه- وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده اختاروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للقضاء وأرسلوهم قضاة في الأمصار والأقاليم، وهذا يدل على أنه ينبغي اختيار القاضي، ولعظم مسئولية القضاء لا يختار له كل أحد، بل ينبغي أن تتوافر فيه الصفات المعتبرة.
قال رحمه الله: [ويختار أفضل من يجده علماً].
لأن الله سيسأله عمن يختاره، وسيقف بين يدي الله ويسأل عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعما اختار لهم، إن نصح فقد نصح، وإن لم ينصح فإنه مسئول محاسب عن ذلك.
إذاً: من واجب النصيحة أنه إذا وجد الناس على فضل بحث عن أفضلهم وأكملهم، وهذا مبالغة في النصيحة لعامة المسلمين، وكل من ولي أمراً من أمور المسلمين -حتى ولو كان مدرساً- وأراد أن يختار أحداً للقيام بمصلحة من المصالح فعليه أن يختار الأفضل، فهذه هي النصيحة التي هي الدين، يقول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) أن ينصح لعامة المسلمين باختيار الأفضل علماً -أن يكون عنده علم ودراية-؛ لأنه لا يمكن إحقاق الحق وإبطال الباطل إلا بالبصيرة، وهي النور الذي يقذفه الله في القلوب، {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [النساء:162] فالرسوخ والبينة طريقان لاستبانة الحق ومعرفته؛ لأن الجاهل بالحق لا يمكن أن يقضي به، فلابد أن يكون لديه علم.
ويعرف علم الرجل بشهادة العلماء وبشهادة من هو أعلم بأن فلاناً عنده علم، فإذا شُهد له -أو عرف بالسماع عنه- أنه مبرز في علم القضاء فإنه يختار لذلك.
[وورعاً].
الورع أن يكون عنده انكفاف عن محارم الله عز وجل، فيدع ما لا بأس به خوفاً من الوقوع فيما به بأس، وإذا كان القاضي ورعاً عف عن أموال المسلمين، وكف عن أذيتهم بلسانه وعن أذيتهم بقوته وسلطانه، وكان أخوف ما يخاف من الله عز وجل أن يقف أحد منهم خصماً له بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وهذا الورع هو الذي يقف به في وجه الظالم لكي يكبحه عن ظلمه كائناً من كان، ويجد أنه بهذا الورع أقوى من القوي في قوته، ويجد أن الضعيف في عينه صار قوياً بهذا الورع، وأن القوي صار ضعيفاً.