قال رحمه الله: [أو بالقرآن أو بالمصحف]: قوله: (بالقرآن) هو أن يقصد كلام الله عز وجل؛ لأن كلام الله صفة من صفاته ليس بمخلوق، منه بدا وإليه يعود، ولذلك استدل الأئمة رحمهم الله على قول السلف: منه بدا وإليه يعود، بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أن القرآن يرفع في آخر الزمان)، وابتداؤه من الله عز وجل؛ لأنه هو المتكلم به، وهو صفة من صفات الله عز وجل.
ومذهب أهل السنة والجماعة: أن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، فإذا حلف به فقد حلف بصفة من صفات الله.
قال تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ} [الأعراف:144] فهذا يدل على أن كلام الله من صفاته، فيجوز أن يحلف به، كأن يقول: والقرآن، ويكون مراده كلام الله عز وجل، ويجوز أن يحلف بالسور وبالآيات؛ لأنها من كلام الله عز وجل، فلو قال: وسورة البقرة.
ومراده كلام الله عز وجل في سورة البقرة، كما قال: والقرآن ومراده ما في القرآن، وهكذا لو أقسم بآية، فكل هذا صحيح.
قوله: (أو بالمصحف) كذلك إذا حلف بالمصحف على أنه كلام الله عز وجل، ولا أعلم أحداً ضيق في مسألة الحلف بالقرآن والمصحف إلا الحنفية؛ لأصل عندهم رحمهم الله، وهو: أن اليمين لا تنعقد إلا بالشرط الأول، وشرط جريان العرف، قالوا: أن يجري العرف بكونه قسماً، ومن ثم قالوا: إن الحلف بالقرآن لم يجر به العرف وهذا مذهب المتقدمين من الحنفية، وليس مرادهم الطعن في كون القرآن صفة من صفات الله؛ لأن أهل السنة والجماعة متفقون على أنه كلام الله وصفة من صفاته سبحانه، إنما مرادهم في مسألة اليمين هل يشترط فيها جريان العرف أو لا؟! والصحيح أن هذا يمين ويعتبر قسماً وتجب به الكفارة.