الصلاة في ثوب الحرير

قال رحمه الله تعالى: [وثياب حرير].

وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الحرير والذهب فقال: (هذان محرمان على ذكور أمتي، حلال لإناثهم).

فدل على أنه لا يجوز لبس الذكر للحرير.

ولبس الحرير يستثنى منه قدر أربع أصابع، وذلك لحديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وجمع بين السبابة والوسطى)، وقال ابن عمر: أو ثلاث أصابع أو أربع أصابع كما في الرواية الثانية.

فقدر الأربعة أصابع من الثوب مستثنى من الحرير.

وللعلماء وجهان، قال بعضهم: إنه أخذ من هذا الحديث بالأربعة الأصابع، وأخذ من حديث الحلة التي لبسها عليه الصلاة والسلام وكان سداها من حرير -والحديث فيه كلام- أنه ينظر في الملبوس: فإن كان أكثره حريراً حرُم، وإن كان أقله حريراً ولو أكثر من أربع أصابع يجوز.

والصحيح أنه لا يستثنى من الحرير إلا قدر الأربعة الأصابع فقط، خلافاً للجمهور الذين قالوا: إنه يُستثنى إذا كان -مثلاً- قطناً وحريراً، وكان القطن أكثر، فقالوا: يجوز في هذه الحالة أن يلبس.

والصحيح أن المستثنى قدر الأربعة الأصابع، وحديث الحُلَّة فيه ضعف في السند، وشك الراوي من جهة السداة أو تجويفة الحلة، ولا شك أنه إذا كان سداها بالطرف لا يصل إلى الأكثر.

قال رحمه الله تعالى: [وما هو أكثر ظهوراً على الذكور] هذا مثل ما ذكرناه، فإذا كان أكثر ظهوراً بالنسبة للملبوس فإنه يحرم، لكن لو كان أقل -بناءً على مذهب الجمهور- يجوز، ولكن الصحيح قدر أربع أصابع فقط، أما إذا كان حريراً خالصاً فبالإجماع لا يجوز.

قال رحمه الله تعالى: [لا إذا استويا].

في حال استوائهما قال بعض العلماء: يبقى على الأصل من الحرمة؛ لأن الاستواء داخل تحت دليل العموم الذي ينهى، ويبقى المستثنَى فقط إذا كان أقل وهذا صحيحٌ من جهة الأصول.

قال رحمه الله تعالى: [ولضرورةٍٍ] أي: يجوز للرجل أن يلبس الحرير لضرورة، والضرورة جاء بها النص في حديث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، فإنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخِّص لهما في لبس الحرير من الحكة ومن القمل، فأجاز لهما لبس الحرير من أجل الحكة؛ لأن الإنسان الذي معه حساسية في جلده إذا كان الثوب خشناً أثار الجلد وألهبه، لكنَّ ثوب الحرير يخفف احتكاك الجسم وثوران الجلد.

قالوا: فرَخَّصَ النبي صلى الله عليه وسلم لهما، وهذا من باب الاضطرار، لكن ينبغي أن يفهم أمر، وهو أنه ليس المراد بجواز لبس من به حكة للحرير الإطلاق، بل يتقيد بالكل والجزء، فإن كانت الحكة في جميع البدن لبس ثوباً باطنه من الحرير وظاهره من غير الحرير ولا حرج عليه، فإذا تعذر عليه ولبس ثوباً كله حرير لا حرج.

الأمر الثاني: لو أن يده فيها الحكة وبقية بدنه لا حكة فيها، فإنه يجعل بطانة الثوب لليد من حرير، وأما ما عداه فإنه يبقى على الأصل الموجب لعدم جواز اللبس.

وقوله: [وحكةٍ أو مرضٍ أو جرب].

كل هذا من باب التمثيل للضرورة.

وفي نسخة (حرب)، ففي الحرب قالوا: يجوز أن يلبس الحرير من باب إغاظة الكافر، والحقيقة هذا الاستثناء لا أعرف له دليلاً صحيحاً يدل عليه.

وإنما قالوا اجتهاداً: إن العدو إذا نظر إلى المسلمين وهم في نعمة هابهم.

ولكن الحقيقة أن هذا لا يقوى على الاستثناء من النهي، فإن الهيبة تتحصل بأمور أخرى غير ما ذُكِر من اقتراف ما نهى الله عز وجل عنه، وقد أمَر الله عز وجل عند لقاء العدو بتقواه، وهي السلاح العظيم الذي يثبُت به العبد أمام عدوه، ولذلك ينبغي الرجوع إلى أصول الشرع وعدم الاجتهاد في هذا، وعدم تحليل ما حرَّم الله عز وجل بهذا الاجتهاد، ويُبقى على الأصل الذي يوجب عدم جواز لبس الحرير، سواءٌ أكان في لقاء عدوٍ أم غيره.

لكن بعض العلماء قال: لعل استثناء الفقهاء بلبس الحرير في الحرب مبني على أن الأسلحة في القديم ربما تكون خشنة، وربما يكون ملمسها خشناً يضر بالبدن، فإذا لُبِس الحرير كان أرفق باحتكاك هذه الأسلحة أو حملها على العواتق، أو نحو ذلك.

فإذا وجدت حاجة من مثل هذا فلا حرج، فيكون أشبه بالحاجة إلى الحكة والجرب.

أما أن يُلبس من أجل إشعار العدو بالنعمة فلا، بل نقول: إن هذا يغري العدو أكثر، فإن العدو إذا رأى النعمة على المسلمين قال: هؤلاء إذا قتلناهم غنمنا خيراً كثيراً.

فالأولى البقاء على الأصل الذي يدل على عدم الجواز وهو أولى وأحرى.

وقوله: [أو حشواً] أي: ما يكون بالحشو في الداخل.

وقوله: [أو كان علماً أربع أصابع فما دون] أي: يكون في طرف الثوب، على أن الاستثناء لأربع أصابع، فلا حرج، لما ذكرناه من حديث ابن عمر.

وقوله: [أو رقاعٍ] الرقاع: جمع رقعة، والثوب يتخرَّق فيحتاج الإنسان أن يرقع هذه الشقوق، فيأخذ الرقعة دون الأربعة أصابع، ولا حرج.

وقال بعض العلماء: لا تتقيد بالأربعة أصابع، بناءً على مذهب الجمهور، وقلنا: الصحيح تقيدها بالأربعة أصابع، وما زاد عن أربعة أصابع فلا.

قوله: [أو لبنة جيبٍ] هي التي تكون في الرقبة، والجيب الذي يُدخَل منه الرأس فتكون له لبنة، يعني تكون مثل ما تُسمى في عرف الناس بالياقة اليوم، فهذه في بعض الأحيان تجعل من الحرير، ولا بأس إذا كانت في حدود أربع أصابع.

وقوله: (وسجف فراءٍ) الفراء: من الفرو، وهو معروف، والسجف يكون في أطرافه، مثلما يوجد الآن في بعض الفراء الذي يُلبس في الشتاء، فيجعل في أطرافه قدر أصبعين أو ثلاث أصابع تكون على أطراف السجف، أو تكون من الأسفل في هذه الأطراف، فلا حرج عليه، لكن شريطة ألا تتجاوز الأربعة الأصابع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015