قال رحمه الله: [الثاني: الآلة، وهي نوعان]: الصيد إما أن يكون بالسهم، وبالرمح كما في القديم، أو بالبنادق وبالرشاش كما في عصرنا الحاضر.
وإما أن يكون بالحيوان.
يعني: الصيد إما أن يكون بآلة، وإما أن يكون بحيوان.
قال رحمه الله: [محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح وأن يجرح].
يشترط في هذه الآلة أن تكون جارحة، فيجوز أن يصيد بالبنادق الموجودة الآن؛ لأن البندق يخزق البهيمة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أصاب فخزق فكل).
فإذا خزق البهيمة فقد أنهر الدم، فيذكر اسم الله عند ثوران السلاح، ويأكل ما صاد له، ما دام أنه أنهر الدم.
لكن لو كان لا ينهر الدم مثل النبال الموجودة الآن، بأن يضع الحصى ويرمي الطائر، فهذا إذا وجد الطائر ميتاً فهو موقوذ لا يحل، فقد حرم الله الموقوذة، وإذا كانت الآلة التي يستخدمها أو السلاح الذي يقتل به البهيمة له مور ويشق ويخزق ونحو ذلك حل أكل البهيمة، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ومفهومه: أن الذي لا ينهر الدم لا يأكل منه، كما لو كانت عنده خشبة يضرب بها الطير فتموت الحمامة أو يموت العصفور، نقول: هذا لا يجوز؛ لأنها ميتة بالارتطام، وليس فيها خزق، لكنه لو رمى سهماً أو نحو ذلك فخزق الروح ونفذ إلى البدن فإنه يحل أكله.
[فإن قتله بثقله لم يبح].
كما ذكرنا، ومنه صيد المعراض، فقد كانوا في القديم يضعون المعراض ويضعون الحجر المقلاع ويرمون به، فيجدون البهيمة ميتة، فإذا وقعت الحجرة على رأس البهيمة أو في مقتل منها فماتت، لم يحل أكلها.
[وما ليس بمحدد كالبندق والعصا والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به].
لأنه ليس بمحدد، البندق قالوا: كان الطين يجفف ويرمون به، فيدوخ البهيمة وقد يقتلها ويقضي عليها، فله قوة قريبة من قوة الحجر، فهو يأخذ حكم الوقيذ.
والشبكة فيها خنق، فقد كانوا يضعون فيها أكلاً، وبعض الأحيان يضعونها في مجرى الصيد، ثم يثيرون الصيد من ناحية ويأتون إلى الشبكة -وهي غير الشبكة الموجودة الآن التي تمسك البهيمة حية- وكلما تقدم الحيوان جذب حتى ينخنق ويبرد، وهذا نوع من الخنق، ولذلك لا يحل أكله، لأن الإزهاق به ليس بإنهار الدم، وقد اشترط النبي صلى الله عليه وسلم لحل الذكاة إنهار الدم.
[والنوع الثاني: الجارحة، فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة].
الجوارح نوعان: طيور، وسباع عادية، فالسباع العادية الصحيح أنه يجوز الصيد بأي منها، فلو علمت أسداً فصد ما شئت، وهذا له طريقة، وقد بين كتاب: حياة الحيوان، ونهاية الأرب، وصبح الأعشى للقلقشندي أنواع الحيوانات التي يصاد بها، وطريقة تعليم الصيد لهذه الحيوانات، والأصل في الشريعة أن هذا السبع وهذا الطائر يعلم بطريقة مخصوصة، ويشترط فيه أن يدعوه فيجيب، وأن يشليه فينشلي، وألا ينطلق إلا بأمره.
فمثلاً: السباع العادية نوعان مما يعلم: مما له كلب: إما أن يكون من السباع العادية كالأسد والنمر والفهد والكلب، فهذه كلها تعلم الصيد، فإذا علم الصيد جاز أكل صيده وميتته، وكذلك أيضاً الطيور الجارحة مثل الباز والنسر والباشق والشواهين والعقاب ونحو ذلك إذا علم جاز أكل صيده.
أما كيفية تعليمه: فأولاً: يعلمه استجابة الدعاء، كأن يكون بينه وبينه صوت معين، فإذا ناداه بهذا الصوت عرفه فأتاه.
ويكرر هذا ثلاث مرات، أي: يدعوه ثلاث مرات فيستجيب، ويكون هذا الصوت متعارفاً عليه، فلو علمه مرتين، ودعاه فاستجاب مرتين، فرأى الفريسة في الثالثة وانطلق بأمره وجاءه بها لم يحل أكلها، لأنه لا يصبح معلمه إلا بعد الثالثة.
الشرط الثاني: أن يشليه فينشلي، والإشلاء: التحريش أتينا أبا عمرو فأشلى علينا كلابه فكدنا بين بيتيه نؤكل هذا رجل بخيل، وجاءوا يريدون أن يطعمهم، فوجدوا طعاماً لكن من نوع خاص، فالإشلاء هو التحريش، أن يحرش الكلب أو الأسد الذي يعلمه أو النمر ثلاث مرات، فبعض الأحيان يكون عنده لحم ويرميه له، فيدعوه أن يذهب ويأتي باللحم، أو يرمي له دجاجة فتفر، فيحرشه بها.
ويكون ساكناً ينتظر أمره، فإذا استجاب ثلاث مرات ورأى صيداً في الرابعة فحرشه عليه فجاء بالصيد ميتاً حل أكله.
إذاً: هذه الأمور لابد أن تكرر ثلاث مرات: دعوى مع الإجابة، والإشلاء؛ فينشلي بأمر سيده، ويكون انبعاثه بأمر السيد لا بنفسه.
قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4]، وهذا يدل على مشروعية تعليم الجوارح، ويشمل جارحة الطير، قال أبو ثعلبة: (يا رسول الله! إني أصيد بهذه البزاة -الباز من أفضل أنواع الطيور التي يصاد بها- وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي غير المعلم، فما يحل لي؟ -فبين له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل له إلا أكل ما صاد المعلم- إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) فدل على اشتراط التعليم، كما هو ظاهر القرآن.