أسباب محق بركة العلم

Q ما أسباب محق بركة العلم أثابكم الله؟

صلى الله عليه وسلم روح العلم بركته، وإذا أراد الله عز وجل بعبده خيراً بارك له في علمه، وتظهر بركة العلم إذا استجمع الإنسان أسباب البركة، وأول سبب وأول علامة على أن الإنسان أنه سيبارك له في علمه أن يجد توفيق الله له بالإخلاص، فإذا وجد أنه يذهب إلى حلق العلماء مخلصاً لوجه الله عز وجل ولا يريد شيئاً سوى ذلك، وأنه يريد به وجه الله والدار الآخرة، فهو موفق، ومن كان كذلك كان سعيه مشكوراً، والله عز وجل شكر سعيه فيضع له البركة في علمه.

وكم من أناسٍ تعلموا القليل بإخلاص فرزقهم الله السداد والخلاص وفتح عليهم وبارك في أقوالهم، وبارك في علومهم، ونفع بهم الإسلام وأهله! الأمر الثاني: من الدلائل التي تدل على بركة العلم أن يحرص الإنسان على أخذ هذا العلم عن أهله، فكل علم ورث من العلماء العاملين فهو مبارك؛ لأن السلسلة متصلة، وكما بورك للعلماء السالفين ليباركن الله للعلماء اللاحقين ما داموا على نهجهم، وساروا على طريقهم.

ومما يبارك الله به للعالم في علمه تقواه لله عز وجل؛ لأن التقوى سبب البركة، ومعنى ذلك: أن يكون علمه مشهوداً بالطاعات وبالأعمال الصالحة، فكل من تعلم العلم فوجد أن العلم يهذبه في أخلاقه، ويقومه في سلوكه، وأنه بهذا العلم يجد سريرة نقية تقية سوية ترضي الله عز وجل، ويجد سيرة محمودة عند الله وعند عباده، يحرص فيها على الفضائل واكتساب الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة الفاضلة والتواضع، وحب الخير للمسلمين، وصفاء القلب، ونقاء السريرة، والبعد عن الحسد والبغضاء، وانتقاص الناس، واحتقارهم، والابتعاد عن الغيبة والنميمة، والسب والشتم؛ فإن الله لا يبارك له في جميع أمره {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96].

فطالب العلم هو الذي طلب العلم وعمل به، وظهر العلم في قوله وعمله، ففتح الله له أبواب البركات من السماء والأرض، فوجدت البركة في قوله وعمله ونفعه للمسلمين، واقرأ سيرة السلف الصالح كيف كانوا مباركين، فتجدهم إذا علموا نفع الله بعلمهم.

الناس لهم آذان صاغية وقلوب واعية، وتجد من دلائل البركة أنه إذا جلس يعلم أبناء المسلمين شغلهم بما ينفع، وشغلهم بما يفيد، وشغلهم بما يعود عليهم بالخير؛ ولذلك تجد العلماء والأئمة الماضين يكررون في كتبهم أموراً واضحة، لكنها عظيمة البركة والخير، حتى أصبحت دعائم الإسلام وشرائع الإسلام من البديهيات عند المسلمين، ولكن تجد المتأخرين، وتجد بعض طلبة العلم محقت البركة من علمهم؛ لأنه إنما يدخل يريد شيئاً معيناً، وكانوا يقولون: من أسباب البركة في العلم أن الإنسان يحرص على تعلم صغار العلم وضبطه قبل كباره، والآن انظر إلى بعض طلبة العلم حينما ندخل في باب من أبواب العبادة، فيمسك الأمور الواضحة ويكررها ثم يكررها، ويستمع ويصغي ولا يناقش حتى يضبط الأصل، وبمجرد أن ينتهي من حلقته ومجلسه يقوم وعنده علم وعنده فائدة.

لكن بمجرد أن يأتي فينظر إلى حلق العلم ويستمع إلى العلماء، فإذا وجد مسائل خلافية ومناقشات وردود، أحب وقال: هذا العلم، وإذا وجد غرائب المسائل حضر، وقال: هذا والله العلم، هذا والله الدرس، في الغرائب والردود والمناقشات، ثم من مسألة إلى مسألة ومن مناقشة إلى مناقشة، وإذا جلست معه بعد الشهر والشهرين تجده قد ضاع وتاه، ولا يمسك من ذلك إلا القليل.

فعلى الإنسان أن يتعلم الأصول، هذه الأصول التي بدأ طالب العلم يحتقر نفسه أن يتعلمها، هي عزك هي كرامتك، إن لم تعتز بدينك وتبدأ بالألف قبل الباء، وبالباء قبل التاء، وتتهجى هذا العلم وتأخذه حرفاً حرفاً، وتضبطه مسألة مسألة حتى البديهيات، وتتواضع مع هذا العلم؛ فلن تفلح في العلم، ولا تعظم نفسك وتقول: كيف أجلس وأكرر مسائل واضحة! وانظر إلى دواوين السلف الذين كرروا الأمور البديهية، وهل العلم إلا تكرار المعلوم؛ لأن هذا التكرار له أثر على النفسية وعلى التطبيق، كم مرة تكرر الفاتحة في اليوم في صلاتك وتتقرب إلى ربك، وكم تسجد وكم تركع وأنت تكرر الصلاة، كل هذا لكي تصبح عقيدتك راسخة لا تقبل التحويل، ولذلك ما عرف في أهل دين ثبات مثلما عرف للمسلمين، وقل أن يرجع أحد من أهل الإسلام عنه إلى دين آخر بفضل الله عز وجل ثم بفضل الأمور العديدة، ومنها: تكرار هذه الأمور وضبطها.

وانظر إلى طلاب العلم الذين أخذوا صغار المسائل، وكلما جلس في مجلس يلخص المسائل الصغيرة ويضبطها ويقرأها المرة تلو المرة، ويحرص على تكرارها، فيجد البركة والخير، فلا ينتهي بعد شهر أو شهرين إلا وقد حفظ ثلاثة أو أربعة أبواب؛ لأن عنده أموراً هي الأساس ثم بعد ذلك يبني عليها، أما الولع بالخلافات والردود، وأن يجلس طالب العلم في المجلس ويقرأ على الشيخ الكتاب فيقول له الشيخ: هذا كذا، فيقول: لماذا كذا؟ ولماذا لا يجعلونه كذا؟ ولماذا يقولون كذا؟ ولماذا يفعلون كذا؟ حتى يصبح معلماً للعلماء، فبدلاً من أن يأتي متعلماً إذا به قد صار معلماً! قال أحد الحكماء لطالب عنده أكثر من مناقشته: يا بني ما علمت أن مجلسك هنا.

أي: كان المفروض أنك تجلس مكاني، لا أن أجلس أنا هذا المكان، بسبب كثرة الاعتراضات.

فكثير من العلم نزعت بركته بسبب كثرة الاعتراضات، وقد كان في الماضي إذا أفتى العالم وجد الآذان صاغية، والقلوب واعية، والناس مستجيبة، وإذا بالبركة والخير والنفع يحل للناس، ولكن اليوم ما إن يفتي واحد فتوى إلا وخرجت مئات الفتاوى، ثم وجدت هذا يعلق على هذا، وهذا يرد على هذا، وعندها محقت بركة العلم {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:33] فالذي يريد العلم الصافي عليه أن يحرص على أخذ صغار العلم قبل كباره، وهو علم الربانيين، وعليه ألا يتعاظم نفسه أمام العلم، فهذا مما يزيد بركة العلم.

وجماع الخير كله أن يسأل العبد ربه، وأن يقول: ربي إني أسألك علماً نافعاً؛ ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يرزقه علماً نافعاً، فإذا كان العلم نافعاً من الله عز وجل، فهو المبارك.

نسأل الله بعزته وجلاله أن يعيذنا من علم لا ينفع، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل علمنا حجة لنا لا حجة علينا ألهمنا الصواب، وأحسن لنا الخاتمة والمآب، وارفع بالعلم درجاتنا، وكفر به خطيئاتنا، وآمن به روعاتنا، وأصلح به أمورنا، يا حي يا قيوم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015