Q ابتدأت الإجازة؛ فما توجيهكم للقائمين على المراكز الصيفية؟
صلى الله عليه وسلم لا شك أن الإخوة الذين يقومون على هذه المراكز من الإخوة الحريصين على الخير، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله، وعليهم مسئولية عظيمة في توجيه أبناء المسلمين, وحفظ أوقاتهم واستغلالها فيما يفيد، وعلى كل معلم وموجه أن يحرص على الأمور التي لا بد من توفرها لكي يكون توجيهه وتعليمه على السنن، فأساس الخير كله في الإخلاص لله عز وجل.
فعلى هؤلاء الموجهين القائمين على هذه المراكز الصيفية أولاًَ وقبل كل شيء أن يخلصوا لله سبحانه وتعالى، ومن أخلص لله بارك الله قوله، وبارك عمله، وأيده وأعانه ووفقه، ووضع له القبول وألهمه الرشد، وكل ذلك خير له في دينه ودنياه وآخرته.
الأمر الثاني: الحرص على أبناء المسلمين وعلى أوقاتهم، بمعنى النصيحة؛ فإن أبناء المسلمين أمانة في أعناقهم، فينبغي تحبيب الخير إلى قلوبهم، والحرص على وضع البرامج المفيدة والأنشطة النافعة التي يستغل فيها الوقت في طاعة ومحبة ومرضاة الله، فيخرج النشأ ويخرج الابن من هذه الإجازة حافظاً لشيء من كتاب الله، أو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُحرص على تذكيرهم بالحكم والفوائد وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وربط خلف هذه الأمة بسلفها، فقديم الإسلام جديد وجديده قديم، ولن يستقيم أمر هذه الأمة، ولن يصلح إلا بما صلح عليه أولها، وهي الأمة المرحومة باتباع نبيها صلوات الله وسلامه عليه، والأمة المهتدية باقتفاء أثره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فيحرص هؤلاء الأساتذة الفضلاء على ذلك، وليعلموا علم اليقين أنه ليس لهم من هذا الذي يعملونه ويقضونه من الأوقات إلا ما أرادوا به وجه الله وأصابوا به الحق والصواب.
الوصية الثالثة: الصبر؛ فإن توجيه الناس يحتاج إلى صبر، والصبر في جوانب: الجانب الأول: الصبر على إسداء الخير للغير، فإن هذا يحتم على هؤلاء القائمين أن يبذلوا أوقاتهم وأن يضحوا بكثير من مصالحهم ابتغاء النجاح في توجيه أبناء المسلمين وتعليمهم، ولا شك أن الله مطلع على ذلك كله، فهم إذا استشعروا مراقبة الله لهم، وأبدى كل واحد منهم من نفسه أن يري الله خيراً، وأن يكون بأحسن الأحوال وأفضلها، وطمع من ربه أن يكون على أحسن ما يكون عليه الموجه؛ فهذا لا يكون إلا بتوفيق الله ثم بالصبر، الصبر على هذا التعليم واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، واستشعار المثوبة منه جل وعلا.
الجانب الثاني: الصبر أثناء التعليم، فإن توجيه أبناء المسلمين والتعليم عموماً يحتاج إلى صبر، لأنه يأتي الجاهل بجهله، والسفيه بسفهه، والطائش بطيشه، والضال بضلالته، فينبغي أن تكون هناك نفس طيبة زاكية كريمة سامية عالية، ترجو رحمة الله عز وجل وتمتص هذه الأخطاء والشرور، ولن تستطيع أن تكون بهذه المثابة ولا بهذه المنزلة إلا إذا تذكرت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في صبره وتحمله لكثير من المشاق والمتاعب، فهذا يقوي هذه النفوس الأبية الصالحة على الخير.
الجانب الثالث: الصبر على الأذى؛ فإنه ربما يأتي من يشكك ومن يهول ومن يخذل ومن يتهم، وعلى كل موجه ومرب أن يعلم أن الكمال لله عز وجل، وأن الرسل وأتباع الرسل، وكل من قام بهذا الدين لا بد أن يمتحن ويبتلى فيه، ومن كان أصدق في إيمانه، وأصدق في إخلاصه، وأبلغ في الصواب فامتحانه أشد؛ ولذلك ربما يربي أحد أبنائه في هذه المراكز ثم يفاجأ به بعد فترة وإذا به قد انقلب عليه، وهذه نوعيات شاذة، لكن إذا لم يكن عنده صبر فقد يضيع أجره بكثرة غيبته وكلامه وحنقه عليه، ولكن بصبره وتحمله وتذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، وكيف مرت عليهم الشدائد، وأن هذه الأمة أمة مبتلاة ولكنها مرحومة بإذن الله عز وجل، فالعاقبة للمربي بإذن الله إذا صبر ولم يبال، ولم يعرف العجز ولا الخور ولا التواني، بل عزيمته صادقة، ونفسه قوية؛ لأنه يعلم أنه على صواب وحق، ومتى ما علمت أنك على الحق؛ فلا تبالِ بمن اتبع ولا بمن رجع، فعليك أن تستبين الصواب وأن تعمل به، وتصبر على ما يأتيك من التهم ومن التخذيل والتشكيك ونحو ذلك.
ولا مانع من الأخذ ببعض المباحات التي دلت النصوص على جوازها، ولكن ينبغي استغلال الوقت في الأهم في طاعة الله ومرضاته.
والنقطة الأخيرة: نوصي الإخوان من طلبة العلم أن يشدوا من أزر هؤلاء، وأن يشيدوا بفضائلهم وأن ينصفوهم وأن يعلموهم إذا كان عندهم خطأ أو خلل، وأن يبينوا لهم الصواب، وينبغي معونتهم على ما هم فيه من توجيه أبناء المسلمين.
إن الفتن قد عظمت، والمحن قد جلّت وأحاطت بأبناء المسلمين من كل حدب وصوب، وإذا رأيت أحداً يتلقف أو يأخذ ابناً من أبناء المسلمين للحظات في طاعة الله، فاعلم أنه قد أحسن ولم يسئ، كأن يجعله على طريق خير أو حلقة ذكر؛ لأن أبناء المسلمين اليوم إذا لم يأخذهم الأخيار أخذهم الأشرار، ولربما ترى الابن في عز شبابه وزهرة أيامه فيتلقفه ذو شر إلى مجلس مخدرات يدمر به حياته، وذلك بمجلس واحد، ولربما تزل قدمه في الفواحش والمنكرات والمحرمات بجلسة واحدة.
فعلى كل إنسان عاقل وكل إنسان يخاف الله ويتقيه أن ينظر إلى واقع أبناء المسلمين ويتألم ويشفق عليهم مما يرى من المغريات والملهيات، ومما يرى من الكلاليب التي تتخطفهم إلى المصائب والشهوات، فإذا وجد من يدعوهم إلى الخير، أو وجد المراكز الصيفية تحرص على قضاء أوقاتهم في الخير؛ كمل نقصها، وسدد خطاها، وصوب خطأها، وحرص على أن يعين إخوانه على هذه الرسالة، ومثل هؤلاء الأساتذة الفضلاء لا شك أنهم على ثغر عظيم، ونحن والله نقدر ما يكون منهم لأبناء المسلمين.
نسأل الله بعزته وجلاله أن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن ييسر لهم الأمر، وأن يشرح لهم الصدر، وأن يجزيهم عن أبناء المسلمين بأحسن الجزاء، وأن يكثر من أمثالهم على الصواب والحق والهدى، وأن يلهمنا وإياهم الرشد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله تعالى أعلم.