وقوله: [فإن لم يصيبوا نفساً ولا مالاً يبلغ نصاب السرقة نفوا، بأن يشردوا، فلا يتركون يأوون إلى البلد] هذه من العقوبة في الحرابة وهي النفي، وقد اختلف العلماء في النفي على وجهين: الوجه الأول: الحبس، فيدخلون إلى السجن ويحبسون.
الوجه الثاني: أن يشرد بهم فلا يستقرون في مكان إلا بعث في طلبهم من بلد إلى بلد حتى يتوبوا إلى الله عز وجل ويرجعوا قبل أن يقدر عليهم، وهذا الوجه الثاني من أقوى الأوجه، ولا مانع من الأخذ بالوجه الأول في بعض الظروف التي يصعب فيها التشريد، خاصة إذا خشي من تركهم أن يسري فسادهم إلى البلدان والأمصار والقرى التي يشردون إليها.
فالصحيح التشريد، ولكن لا يمنع في بعض الظروف أن يأخذ بسجنهم وحبسهم إذا رأى الإمام ذلك ووجد فيه مصلحة لجماعة المسلمين.
وهذا النفي إذا لم يكن منهم قتل ولا اعتداء على المال أو العرض، فمثلاً: جاءوا وخوفوا السبل؛ لكنهم لم يأخذوا الأموال ولا اعتدوا، كما يقع في بعض الأماكن، حيث تأتي بعض العصابات وتحتكر السبيل، فلا تدع أحداً يمشي أو يمر بهذا السبيل إلا بعد تخويف وتهديد وإرعاب؛ لكنهم لا يعتدون على الأموال ولا على الأنفس، فحينئذٍ يشرد بهم وينفوا من الأرض على ما اختاره المصنف رحمه الله وطائفة من أئمة السلف رحمة الله عليهم، وهو قول ابن عباس في الأثر المشهور عنه.