ومن هنا نبين أن العقوبة بالقتل والصلب والقطع لا يشترط فيها بعض الشروط المشترطة في القتل، أو السرقة ونحو ذلك.
وقد بين المصنف رحمه الله أنهم إذا قتلوا وأخذوا المال فالعقوبة أن يقتلوا ويصلبوا، والقتل في أصح القولين أن تضرب أعناق المحاربين، وذهب بعض العلماء إلى أن الصلب يكون قبل القتل، بأن يصلبوا ثم يطعنوا بالحربة وهم مصلوبون، والصحيح أن يقتلوا ثم يصلبوا، وأن القتل بعد الصلب فيه مثلة وتعذيب.
فأما صلبهم فبأن يربط المقتول على خشبة يقال لها: صلب، لأنها على شكل علامة الصليب توضع من وراء يديه، وهذه الخشبة المعترضة تربط فيها يداه، وأما القائمة فيربط فيها جسده على وجه لا تسقط به، ثم ترفع الخشبة بعد ربطه وإحكامه عليها، وتوضع في مكان وتثبت، فيصلب بعد قتله.
وقد اختار بعض السلف أنه يصلب ثم يقتل، وراعوا في ذلك السنة، وهي (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة)، وقد قال في الحديث الصحيح: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) فهذا أصل في الشريعة؛ ولأن القصاص يكون ضربة بالسيف وهذا أرفق، فبذلك يعتبر هذا هو الأصل.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يصلب ثم يقتل، وقد استدل الذين قالوا: إنه يصلب ثم يقتل، فقالوا: إن الصلب عقوبة، والعقوبة تكون للحي لا للميت، ومن هنا نصلبه حياً ثم نقتله بعد الصلب، فلا بد أن يمس جسده الصلب، ثم بعد ذلك يقتل، أما إذا قتل ثم صلب فالصلب لا معنى له.
وهذا ضعيف؛ لأن الصلب قد يكون فيه تعذيب لنفس المصلوب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً) أي في الإثم، وبين أن الميت يتأذى، وأثبت هذا حتى في قبره، ولذلك لا يمنع أنه إذا صلب يعذب، وأن هذا لا نعرفه نحن ولا نطلع عليه، فأمور الآخرة غيبية.
ثانياً: أن الصلب لا يمنع أن الشريعة أرادت القتل لأنه قتل، وأرادت الصلب زجراً لغيره، ومن هنا فقولهم: إن الصلب لا معنى له بعد القتل ليس صحيحاً؛ لأن الحرابة فيها معنيان كسائر الحدود: أنها تعاقب الشخص وتطهره من إثمه وجرمه، وكذلك أيضاً تزجر غيره، ولذلك قال الله تعالى في الحدود الشرعية وفي العقوبات: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] وكل هذا من أجل زجر المجتمع.
ومن هنا فقولهم: إنه لا بد أن يكون الصلب عقوبة للمصلوب ليس بوارد من كل وجه، وعليه فالصحيح أنه يقتل ثم يصلب.
وهذا الصلب حكمه في الشرع واجب، بمعنى أنه متصل بالعقوبة، وأنه يجب على السلطان والقاضي إذا نفذ حد الحرابة بالمحاربين وتم الشرط المعتبر للجمع بين العقوبتين أنه يقتلهم ثم يصلبهم، فهو واجب، وهو حق من حقوق الله عز وجل؛ لنص الآية الكريمة عليه.