قال رحمه الله: [أو مسلم حر من بيت المال].
أو سرق مسلم حر من بيت مال المسلمين، هذه المسألة ضابطها: أن يكون هناك شبهة للسارق في المال الذي سرق منه، بمعنى أن له حقاً فيه، ولكنه حق مبهم غير معين، فالمسلم له حق في بيت مال المسلمين كما قال عمر رضي الله عنه وغيره: (إنه ما من أحد إلا وله حق في بيت مال المسلمين)، وهذا أصل، لكن هذا الحق ليس معناه التسلط على أموال بيت المال وسرقتها أو أخذها، وهذا لا يمنع تعزيره، ولا يمنع عقوبته، لكن الحدود تدرأ بالشبهات، فإذا سرق من بيت مال المسلمين سقط عنه الحد؛ لأن له حقاً في بيت مال المسلمين.
وقوله: (أو مسلم) اشترط أن يكون مسلماً؛ لأن الكافر ليس له حق في بيت مال المسلمين، وقوله: (حر) لأن العبد مملوك لسيده.
قال رحمه الله: [أو من غنيمة لم تخمس].
أو سرق من غنيمة لم تخمس، تقدم معنا أحكام الغنائم وتخميسها، وما هو المراد بذلك، فإذا غنمت الغنيمة فقبل قسمتها يختلط حق الغزاة مع حق بيت مال المسلمين، فالغنيمة يكون فيها حق للغزاة الذين هم الأصل في حصول الغنيمة، وبيت مال المسلمين له حق، ولذلك ذكرنا كيفية تقسيم الغنيمة، وبينّا الأدلة الشرعية في ثبوت حق لبيت مال المسلمين في خمس الغنيمة.
فالخمس يخرج من الغنيمة، والأربعة الأخماس تقسم بين الغانمين: للفارس سهمان، وللراجل سهم، على الأصل الذي بيناه، فإذا كانت الغنيمة لم تخمس، فإنه في هذه الحالة إذا سرق غير الغزاة منها فله حق باستحقاق بيت مال المسلمين إذا كان مسلماً حراً.
لكن لو أنها خمست، وأخرج منها خمس بيت المال، فهذه الأربعة الأخماس إذا سرق السارق منها نظرنا فيه: فإن كان من الغزاة، فهذا غلول -نسأل الله السلامة والعافية-، وفيه الوعيد الشديد، ولكن له شبهة؛ لأنه من الغزاة، وله حظ في الأربعة الأخماس، وأما إذا كان من غير الغزاة فتقطع يده؛ لأنها إذا خمست وفصل حق الغزاة عن حق بيت المال وسرق من حق الغزاة؛ فقد سرق من غير ملكه، وحينئذٍ يثبت الحد، ولا شبهة له؛ لأنه ليس من الغزاة، وليس له حق في هذا المال، فيعتبر أشبه بالسرقة من سائر الأموال.
لكن لو أنه كان من الغزاة وسرق من الأربعة الأخماس فلا تقطع يده لمكان الشبهة.
فلو كان من الغزاة وسرق من الخمس فإن له أصلاً بكونه في بيت مال المسلمين، وله الأصل العام في كون له حق كسائر حقوق المسلمين عموماً في بيت المال.