قال رحمه الله: [ويختلف باختلاف الأموال].
أي: الشيء المحفوظ، فمثلاً: شخص يريد أن يحفظ ذهباً أو فضة ليس كالذي يريد أن يحفظ الخشب، فتاجر الخشب جرت العادة أنه يضع خشبه في داخل أحوشة مغلقة، وتاجر الحديد يضع الحديد في أحوشة مغلقة تكون حرزاً لها، فجرت العادة بهذا، لكن تاجر الذهب له طريقة أخرى، فهو له دكاكين معينة، ثم أيضاً هذه الدكاكين فيها مواضع مخصوصة يضع فيها الذهب أو طريقة معينة يضع الذهب فيها عند العرض للناس، ويضع فيها الذهب عن انتهاء عمله أو خروجه من عمله، فإذاً: نرجع إلى كل عرف بحسبه، فقال رحمه الله: (ويختلف باختلاف الأموال) يختلف بسبب اختلاف نوعية الأموال، فعندنا الذهب مال، والفضة مال، والطعام مال، والبهائم مال، والمعادن مال، وكل شيء له قيمة يعتبر مالاً.
قال رحمه الله: [والبلدان].
بعض البلدان يكون الحرز فيها يحتاج إلى قوة، والإمكانات متوفرة وآلات الحرز موجودة، فحينئذ نطالبه بحرز يتناسب مع بيئته، لكن لو كان في بيئة ضعيفة لا يتيسر فيها الإمكانات لحفظ الأموال، حافظها على قدر استطاعته، ونعتبره حرزاً؛ لأن عرفه يتناسب مع هذا الحرز، فكل بلد وما جرت عادتهم بحفظ المال به.
قال رحمه الله: [وعدل السلطان].
أي: إذا كان السلطان عادلاً فإن الحرز يكون خفيفاً، وذلك أن الناس إذا أخذوا بالعدل استقامت أمورهم، ويحصل عند الناس خوف من الله عز وجل، ويأمن الناس بعضهم بعضاً؛ لأنه يحس أن له مثل الذي عليه، وحينئذ يأمن الناس، ولا يلتفت بعضهم إلى مال الآخر من أجل أذيته والإضرار به، والعكس، فإنه إذا حصل الجور، وكان الزمان زمان جور تنافسوا -والعياذ بالله- في الجور، فإذا أخذ الناس بسلطان العدل الذي قامت عليه بالسماوات والأرض واستقامت عليه أمور الدنيا ولا تستقيم إلا به؛ فإن أمورهم تستتب، ولربما وضع الرجل قماشاً على باب محله وبداخله من المجوهرات والخيرات ما الله به عليم! ولكن الله عز وجل يصرف النفوس عن الفساد، ويصرفها عن الأذية والضرر، ولذلك أزمنة الفتنة تنساق النفوس -والعياذ بالله- فيها إلى الفساد والأذية والإضرار والبطش والسوء حتى إن الناس كأنهم قد سلبوا -والعياذ بالله- عقولهم، وكأن الله إذا أراد بقوم فتنة سلبهم عقولهم؛ فعاثوا وعاثت بهم الشياطين والعياذ بالله، وعندها يكون بطن الأرض خير من ظاهرها، وهذا في أزمنة الجور والظلم، ولذلك تجد أهل الجور يتنافسون في الفساد.
أما إذا غلب العدل تنافس الناس في الخير، فهم تبع لهذا المؤثر بعد الله سبحانه وتعالى، فكونهم مأخوذين بالعدل أو مأخوذين بالجور له أثر، ففي أزمنة الجور يكون الحفظ أشد، والحرز أقوى، وأما في أزمنة العدل فإن الأمر يكون أخف، ولذلك جاءت كنوز كسرى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بالمدينة، فوضعها رضي الله عنه وأرضاه في المسجد، حتى أن المسجد أضاء في ظلمة الليل من كثرة ما فيه من المجوهرات والنفائس، فلما رآها بكى رضي الله عنه وقال: (إن أناساً أدوا هذا لأمناء)، ووضعوا عليها القماش، وكان الناس في زمان عمر رضي الله عنه -وهو زمان الخلافة الراشدة- راضين مطمئنين مأخوذين بالعدل؛ ولذلك كان عمر رضي الله عنه يضعها في المسجد، فما احتاج أن يضعها في أغلاق، وكان الرجل يسافر بهذا المال حين يبعثه قائد المسلمين بالفتح، فيرسل القافلة وهي مليئة بالأموال والمجوهرات، ويستطيع الرجل منهم -وحاشاه- أن يسرق أو يخبئ أو يغل منها ما شاء، ولكن أبى الله عز وجل إلا أن يكونوا أمناء؛ لأنهم تربوا في مدرسة النبوة على يد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، الذي عرف منذ صغره بالأمانة، بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه.
زمان العدل يخف فيه الجور والتعدي على أموال الناس، ومن هنا ينظر في كل زمان بحسبه، وفي كل مكان بحسبه، وفي كل مال بحسبه.
ومن مسائل الاختلاف أن يختلف الحكم باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، فهذه منها مسألة الحرز في الأموال.
قال رحمه الله: [وجوره].
إذا كان عدلاً أو كان جائراً.
قال رحمه الله: [وقوته وضعفه].
إذا كان قوياً فإن الناس تهاب وتخاف، حتى بلغ ببعض الولاة -من قوته- أن الناس كانوا إذا رءوا المال المسروق في زمانه هربوا عنه، فإذا أخذ الناس بالقوة والحزم في البطش والسرقة والتعدي على أموال الناس، فإن الناس يأخذهم من الخوف والرعب الشيء العظيم، حتى إن الرجل لو رأى مالاً مسروقاً فر عنه، ولربما غير الطريق الذي يسير فيه، وجاء عن بعضهم أنه مر على كيس من الطعام ثم ذهب إلى الوالي -وكان معروفاً بالحزم- فقال له: إني وجدت كيساً من الطعام فيه كذا، قال: ما أدراك بما فيه! حللته فككته؟ قال: لا، ولكني تحسسته بأصبعي، قال: اقطعوا أصبعه! وهذا نوع من الإسراف في الحزم، لكن إذا أخذ الناس بالقوة احتاطوا لأنفسهم، فأزمنة الجور يعظم فيها الفساد، وهكذا أخذ السلطان للناس بالقوة يكفهم عن أخذ الأموال، وحينئذ يعتبر أيسر شيء حفظ للأموال، حتى إن الرجل لربما وضع أبسط الأشياء على ماله لكي يحفظه ويعتبر في العرف قد حفظه وصانه، ويعلم الناس أنه محفوظ، والعكس بالعكس، إذا أصبحت أزمنة فساد؛ فإنه لا يغني فيها الأغلاق، ولربما لا يغني فيها البناء، إلا إذا كان على صفة مخصوصة، مثلاً في بعض المدن تكثر السرقة حتى يصبح الشخص لو وضع المال داخل بناء لا يكفي، ما لم يضع عليه أجهزة تراقبه، أو يستخدم الأشياء الحديثة من أجل حفظ أي اعتداء أو الانتباه لأي داخل ومع ذلك تحدث السرقة! فإذاً: لا بد من النظر لكل عرف ولكل بيئة بحسبها.