Q أنا طبيب في الطوارئ في أحد المستوصفات الطبية، هل يجوز لي الصلاة في جماعة في العمل حيث أنه توجد أحياناً حالات حرجة؟
صلى الله عليه وسلم الأطباء تتعلق بهم أرواح الناس، ولا شك إذا كان في وقت يخشى فيه إتيان الحالات الطارئة، أو خُصص للحالات الطارئة، وهكذا من يكون في حراسة أموال الناس، أو حراسة أرواحهم كأجهزة الأمن ونحوها، أثناء تلبسهم بهذه الأعمال يرخص لهم في ترك الجماعة، ويرخص لهم في ترك الجمعة إذا حصلت ضرورة، وهذا مبني على أصول الشريعة: أنه إذا خشي على الأنفس يجوز لهم أن يصلوا جماعة في أعمالهم، خاصة وأنه يقول: أصلي جماعة في عملي، فهذا لا بأس فيه، ولا حرج، بل حتى لو أدى الأمر إلى ترك الجماعة فهو مرخص له.
وتوضيح ذلك: أنه لو جاءته حالة طارئة بين الحياة والموت، وتوقف لإنقاذ هذه الجراحة على عمل جراحي، أو تدبير جراحي، فإنه في هذه الحالة مسئول أمام الله عن هذه النفس، وتعين عليه شرعاً أن ينقذها، حتى إن بعض العلماء يقول: كل طبيب قدر على إنقاذ نفس ولم ينقذها فإنه -والعياذ بالله- يعتبر قاتلاً، كما لو رأى غريقاً وهو قادر على إسعافه وإنقاذه، ولم يسعفه يعتبر قاتلاً، حتى إن الإمام ابن حزم -رحمه الله- يرى أن عليه القصاص، ويقول: لأنه كان قادراً على إنقاذه، وهذا قول مرجوح؛ لأنه بعض الأحيان لا يقصد قتله، لكن انظروا كيف يشدد العلماء في التساهل في هذا الحق! فهم يعتبرونه من الفرض العيني إذا توقف إنقاذ هذه النفس عليه، وأما الدليل: فلا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم تخلف عن الجماعة للمرض، وكان معه العباس، وعلي رضي الله عنهم، ثم خرج إلى الصلاة وهو يهادى بينهما، فمعنى ذلك: أنهما لم يحضرا الجماعة، وكانا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
واستدلوا أيضاً بحديث أنس في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سقط عن فرسه فجحش شقه الأيمن، قال أنس رضي الله عنه: (فصلى في المشربة فصلينا بصلاته)، فتركوا الجماعة في المسجد، وصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المشربة، وله أصل من فعل السلف: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع الصارخ على ابن عمه، وهو في سكرات الموت، وهو خارج إلى صلاة الجمعة، فترك الجمعة ورجع إلى ابن عمه، وهذه أحوال خاصة إذا خشي فيها على النفس الموت والهلاك.
فالأطباء عليهم مسئولية، تصور لو أن طبيباً قال: أذهب وأحضر الجمعة، وذهب وحضر الجمعة، وجاءت حالة طارئة في نفس وقت صلاة الجمعة، فمن يكون المسئول أمام الله عز وجل؟ هو خُصص من ولي الأمر، وأعطي راتبه من بيت مال المسلمين على أن يقوم بهذا الأمر، ويُكلف به، ويناط به، فقد تعين عليه أن يقوم به، لكن لو أنه أراد أن يخرج إلى موضع قريب يصلي به واحتاط، وقال لهم: بمجرد أن تروا حالة طارئة أخبروني، فهذا إذا كان يتدارك فيه الأمور لا بأس، أما لو أنه لا يتدارك الأمور، فلا يجوز التغرير بأرواح المسلمين، والمخاطرة بها، ولذلك أسقط الله عن المسلمين الجماعة عند الخوف على النفس، كما في حال المسايفة، فإنه في حال القتال في المسايفة يصلي الرجل وهو يضرب العدو، لماذا؟ لأنه لو تفرغ يصلي لقتله العدو، فحفظ الله النفس، وأسقط بحفظ النفس أفعال الصلاة كلها من الركوع والسجود، حتى إن الرجل ليضرب بسيفه، ويقول: الله أكبر! سبحان ربي العظيم، وهو لا يركع ولا يسجد ولا يستقبل القبلة، كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239]، فأحل في حال المسايفة أن نصلي رجالاً، وركباناً، ولا نستقبل القبلة، ولا نركع ولا نسجد حفاظاً على الأنفس والأرواح، فإذا كان في نفس واحدة تتخلف، فما بالك بمن أنيطت به أرواح الناس! وبمن أنيطت به أجسادهم! لا شك أن هذا أولى وأحرى، ولذلك هؤلاء الأطباء ونحوهم ممن تتعلق بهم أرواح الناس وتتعلق بهم المسئولية عن هذا الأمر العظيم يرخص لهم في ترك الجمعة والجماعة، ولكن ينبغي لكل طبيب أن يرجع إلى عالم ليضع له الضوابط المعتبرة لهذا الترك، ومتى يعتبر معذوراً، ومتى لا يعتبر معذوراً، والله تعالى أعلم.