فقوله: (آلة لهو) خرج اللهو المأذون به شرعاً، مثل: الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) فلما قال عليه الصلاة والسلام: (الدف) دل على أن الدف من آلات اللهو المأذون بها شرعاً، والمباحة، والنص في هذا واضح؛ ولذلك ضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالدف، وسمع الدف عليه الصلاة والسلام، وأذن به عليه الصلاة والسلام في النكاح.
والعجيب! من البعض يقول: نعجب من الشيخ يفتي بحل جواز الدف، وكأنه منكر عظيم! يعتبرون أن هذا شيء لا يجوز، كيف يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الدف في النكاح ويقول: (أعلنوا)؟ ولا يمكن أن يتحقق الإعلان إلا بسماع الناس له، ومن هنا: لا ينبغي للإنسان أن يحكم بالأحكام الشرعية بهواه وبالشيء الذي يألفه والذي لا يألفه، وإذا أنكر على غيره ممن بينه وبينه أخذ وعطاء، فلا يدعوه ذلك إلى ألا يتجرد للنص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا) وهذا خطاب عام، ومن هنا نقول: إن آلات الدف آلات محترمة شرعاً، لها قيمة، ولو أنه استأجر أمرأة لضرب الدف في العرس فبإجماع العلماء -رحمهم الله- على أنها إجارة شرعية، وذكر العلماء هذا وفرقوا بين الدف وغيره كما هو معروف في كتاب الشهادات، ففرقوا بين آلات اللهو والعزف وبين الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم حينما قفل من غزوته، وكانت قد نذرت أن تضرب بذلك، ودخل عمر رضي الله عنه على المرأة وهي تغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، وكان عند عائشة رضي الله عنه جاريتان تغنيانها بما كان في يوم بعاث، فالأصول الشرعية تقتضي جواز ضربه وسماعه، لكننا نقول: الإغراق في هذا الشيء والمبالغة فيه مكروهة، لكن لا نقول: إنه حرام، ولا نقول: يسمعه النساء ولا يسمعه الرجال، من أين هذا التفصيل؟! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعلنوا) ما قال: أعلنَّ، والنص واضح في هذا، وينبغي للإنسان أن يتجرد للنص وأن يتبع النص، وإذا سمع أحد من أهل العلم يفتي بشيء عنده دليل وعنده حجة، ويعلم أن هناك سنة وأن هناك دليلاً فإنه ربما يرد سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد سنة -والعياذ بالله- عن هوى ضل، فعلينا أن نتقي الله عز وجل في الأحكام الشرعية، وأن نفرق بين الدف وغيره، ونقول: إن الإغراق فيه وكثرة سماعه خلاف الأولى، أو نقول: إن هذا مكروه؛ لأنه يشغل عن ذكر الله عز وجل الذي هو أفضل، لكن لا نستطيع أن نقول: إن هذا حرام! وهل يتعبد الله عز وجل عباده أن يضربوا الدف بالنكاح بالمحرمات؟! وهل يأمر الله عز وجل بإعلان النكاح بالأمور الممقوتة شرعاً والمحرمة شرعاً؟! حاشا والله! إذا جاء النص فالإنسان يعمل به، وعليه أن يحترم أهل العلم ويحترم اجتهادهم ونظرهم؛ لأننا مأمورون بالوقوف عند النصوص، وعلينا أن نظن خيراً بأهل العلم المتقدمين الذين أجازوا، والمتأخرين مادام عندهم حجة، فنقف معهم وألا يدعو الإنسان إلى رد السنة بالهوى، وبالشيء الذي يألفه، فيرى الذي يألفه مسنوناً، والذي لا يألفه غير مسنون، ولو كان في بيئة تضرب الدف لكان شيئاً عادياً أن يقول: إنه جائز ومباح! فلذلك ينبغي لنا أن نتجرد للحق، وأن نعلم أن هناك سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النوع من الآلات وهو الدف وأنه جائز ومشروع.
وإذا كسر الدف وجب ضمانه، وإذا باع الدف واشتراه جاز ذلك؛ لأنه آلة لم يحرمها الشرع، ولم يحرم سماعها الشرع، وعلى هذا لو سرق هذه الآلة يجب القطع إن كانت تساوي نصاباً أو أكثر، وهذا على الأصل عند أهل العلم.