حكم قطع يد الطرار

بسم الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويقطع الطرّار الذي يبط الجيب أو نحوه ويأخذ منه]: ما زال المصنف رحمه الله يتكلم على صور يتحقق بها مفهوم السرقة، ومن ذلك قوله: (ويقطع الطرّار الذي يبط الجيب) ففي بعض صور السرقة: يقدم السارق على قطع الجيب: إما بالسكين، أو بالموس، أو بالشفرة، فالطرّار هو: الذي يسرق من الجيب، والسرق من الجيب له صورتان: الصورة الأولى: أن يدخل يده فيستلّ المال الموجود في داخل الجيب.

الصورة الثانية: أن يقطع الجيب من أسفله أو من جنبه، ثم يستل المال منه.

فمن أهل العلم من قال: أن الذي يبطّ الجيوب -أي: يقطع الجيوب- لا تقطع يده، ويرون أن القطع لا يكون إلا إذا كان في حرز، وكان صاحب الحرز منتبهاً -يعني: عينه على الحرز- ومن هنا قالوا: إن من نام في المسجد، ورداؤه تحته، أنه ينبغي اشتراط كون الرداء تحت الجسم، أو تحت الرأس، فإذا استله من تحت الرأس فقد استله من حافظ، وحينئذٍ قالوا: إنه إذا كان الرجل في غفلة واستل المال منه بدون أن يعلم فإن يده لا تقطع؛ لأن المال في الجيب ليس في حرز عند من يقول بعدم القطع، إلا إذا كان صاحبه عينه على الجيب، ومن هنا يرون أنه لا قطع عليه، واختار المصنف القول بالقطع.

قالوا: لو استغفل صاحب المال، ثم استل المال من جيبه، وقطع الجيب فأخرج منه المال -من أسفله أو من عرضه- فإنه يعتبر سارقاً، وقالوا: إن الشخص عينه على ماله ما دام حاملاً للمال، ثم إنه قد استل المال منه خفية، فتتحقق فيه شرط السرقة، وقالوا: الطرّار في حكمه إذا كان يبط الشنطة، مثل ما يقع في (المحافظ) ونحوها يقطعها ثم يستل المال منها، فقوله: (أو نحوه) مثل: المحفظة، أو الهميان والكمر، فإذا كان (الكمر) مشدوداً على صاحبه، ثم جاء واستل المال من (الكمر) وصاحبه حامل له قطعت يده.

فقوله: (الطرّار): هو الذي يبط الجيب (يبط الجيب) أي: يقطعه، سواءً كان القطع من أسفله أو من عرضه؛ لأنه لما قطع الجيب فقد أخذ المال من الحرز، وحينئذ يكون بط الجيب مثل كسر الأقفال في الصناديق، وكسر الأبواب، وهذا يعتبر أخذاً للمال من حرزه، فقالوا: إن صورة هذه السرقة -على هذا الوجه الذي اختار المصنف- توجب القطع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015