قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم نصاباً].
هذا يتعلق بالركن الثالث، وهو: المال المسروق، فعندنا السارق والمسروق وفعل السرقة، فلما قال رحمه الله: (نصاباً) بين الركن الثالث، وهو: أن يكون المال المسروق نصاباً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار) كما في الصحيح، وكذلك في حديث السنن: (لا تقطعوا إلا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك)، وهذا يدل على أنه ينبغي التقيد بالنصاب، وقال في حديث الثمر: (فإذا أواه الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن)، والمجن هو الدرع الذي كان يستر المقاتل، وكانت قيمته تساوي ربع دينار أو أكثر من ربع دينار، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن ثمن المجن فقالت: ربع دينار، ففسرت الحديث بما يتفق مع الأصل، فالنصاب ربع الدينار، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله-، وفيه خلاف عن السلف رحمهم الله، ولكن الربع دينار هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يشترط في هذا المال المسروق: أن يكون قد بلغ النصاب، فإذا كانت قيمته دون ربع الدينار فإنه لا تقطع يد السارق، فلو أنه سرق كتاباً أو قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك مما قيمته لا تساوي الربع الدينار أو ما يعادله من الدراهم، فإنه لا يقطع.
وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط النصاب وهم الظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده) وقد أجيب عن هذا الحديث بأن المراد به الوعيد، فلا يلتفت إلى حقيقة ما ذكر فيه، وهذا شأن أحاديث الوعيد، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى)، وليس المراد: عقرها الله، حلقها الله، وقال: (ثكلتك أمك يا معاذ!)، وهو دعاء بالموت لكن لا يريد الحقيقة، وهنا أراد أن ينبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا.
وقيل: إن الحبل يساوي ربع دينار في السفن، والبيضة المراد بها: بيضة المقاتل، وهي التي تلبس في القتال، وقيمتها ربع دينار فأكثر، وليس المراد بها البيضة من نتاج الدجاج.
وعلى كل حال سيأتي إن شاء الله بيان هذه المسألة، وأن الصحيح اعتبار النصاب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص وقال: (لا قطع إلا في ربع دينار)، وهذا نص صريح، ولا يعارضه المحتمل، ولأننا لا ندري هل تأخر حديث: (لعن الله السارق) أو تقدم؟ ومن هنا لا يقوى على المعارضة من كل وجه، فيشترط في ثبوت حد السرقة: أن يكون المال المسروق نصاباً.