وينبغي لمن ابتلي بها أنه إذا وقع في الاستمناء فعليه أن يشعر بالندم والألم، وأن يندم على ما بدر منه، وأن يعقد العزم على عدم العود، بمعنى: أن يحرك في نفسه أسباب التوبة؛ لأنه إذا تاب تاب الله عليه، ولو عاد لها ألف مرة، ما دام أنه يندم ندماً صادقاً بعد فعلها، ويستشعر من نفسه أنه ما كان له أن يفعلها؛ هيأ الله نفسه للخير، وطهره من أثر الذنب، ولربما عاد عليه الذنب بحسنات بدل السيئات؛ لأن الله يبدل سيئات من تاب حسنات، فيغيض الشيطان بهذا، ويقتل عدو الله بهذا، فيصبح فعله للمعصية جبراً له، وله أن يسترجع بعد الوقوع فيها فيقول المأثور، فيسأل الله أن يأجره في مصيبته وأن يخلف عليه؛ لأنه ليست هناك مصيبة أعظم من مصيبة الدين.
فمن هنا يأخذ بالأسباب التي تبعده عن مشاهدة الأمور التي تثير الغريزة، ولذلك على المسلم أن يجرب غض البصر إذا مرت به فتنة، وإذا غض بصره غضه بقوة ويقين بالله عز وجل؛ لأن هناك من الناس من يغض بصره وقد بقيت أثر الشهوة في عينه وقلبه -نسأل الله السلامة والعافية- فهو يغض شكلاً لكنه يغض قالباً لا قلباً وجوهراً، والمنبغي أنه إذا رأى الفتن وكان هجوم الفتن عليه فإنه يستغفر، أما من تقصد رؤية الفتن، وذهب إلى أماكنها، وارتادها وطلبها، فلا يلومن إلا نفسه، ولذلك من عوفي فليحمد الله، ومن وقع في مثل هذه الفتن التي تدمر الأخلاق، خاصة بمشاهدة الصور الخليعة، والأفلام الماجنة الساقطة، وغير ذلك من الصور التي تدمر الفضائل، وتحيي في النفوس الرذائل؛ فعليه أن يستغفر الله عز وجل استغفار الصادقين.
وعليه أيضاً أن لا ييأس، فإن الشيطان قعد للإنسان بكل مرصد، فبعض الناس ينهزم أمام هذه الشهوة، وأمام كل شهوة، فمن ابتلي بشهوة من الشهوات فإن الشيطان يحرص على أن يقتل في نفسه البعد عنها، ولذلك يوجد في نفسه شعوراً أنه قد استحكمت فيه العادة السرية أو الاستمناء، وأنه لا يستطيع تركها، وهذا الشعور النفسي من أخطر ما يكون على الإنسان؛ لأنه يضعف فيه العزيمة عن الرشد، ويضعفه عن التوبة الصادقة، ويحطم فيه معاني الخير.
ومن خبث الشيطان أنه يوقع الإنسان في الجريمة المرة والمرتين والثلاث والأربع، فإذا تحكم عدو الله منه ربما غلبه بهذا الشعور بطريقة ملتوية عجيبة، كما يلاحظ من أسئلة الناس وفتاويهم.
فمنهم من يأتيه الشيطان ويتركه فيتوب ويندم، فيعيش الأسبوع والأسبوعين لا يفعل هذه المعصية، فيجد حلاوة الإيمان، فإذا وجد حلاوة الإيمان أوجد عنده شعوراً أنه لن يعود إلى العادة السرية أو غيرها من الذنوب، فإذا ظن أنه لن يعود جاءه عدو الله وقال له: احلف العهود والمواثيق، فيحلف المسكين العهود والمواثيق على نفسه؛ لأن الخبيث يعلم أنه قد استحكم منه بالتكرار، وأن النفس متعلقة بهذه الشهوة، فيأخذ منه العهود والمواثيق، ثم يرجع به مرة ثانية إلى محارم الله، فإذا رجع به مرة ثانية إلى محارم الله استولى عدو الله على قلبه فقال له: أنت ناقضٌ للعهد، ناكثٌ للعهد، أنت كذا وكذا، حتى يدمر نفسيته، ويقطع ما بينه وبين الله.
فمن الناس من أيقظ الله قلبه وأحيا روحه، فقام إلى عدو الله فكبته بذكر الله وقال له: اخسأ عدو الله، فوالله لو أني عدت إليها ملايين المرات فلا أزال أؤمل أن ربي غفورٌ رحيم، فإذا وقع رجع إلى ربه وأغاظ الشيطان، وقال: والله لو عدت المرات والكرات، ما دام أني أندم ندماً صادقاً بعد فعلها؛ فإني أرجو رحمة ربي، ولن يستطيع أحدٌ كائناً من كان أن يدخل بين العبد وربه، فإن الله ألطف بعباده وأرحم بخلقه، فإذا وجد الإنسان أنه قد استحكمت العادة بطول الاستمراء وبطول العهد سواء في العادة السرية، أو في المحرمات من النظر إلى النساء أو المردان أو غير ذلك من الشهوات والمحرمات -إذا وجد أنها قد استحكمت من قلبه، فليعلم أن المعاصي بالتكرار يكون سلطانها أقوى، كما أن الطاعات بالتكرار تكون هينة أمام الإنسان سهلة عليه، فمن اعتاد قيام الليل وكرره المرة بعد المرة، أصبح عنده ألذ من النوم والكرى ساعة التعب، وألذ من الطعام والشراب في شدة الظمأ وشدة الجوع، وهذا من رحمة الله عز وجل، فإذا علم أن المعصية بتكرارها يتسلط الشيطان على شعبة من شعب القلب في نفسية الإنسان، فالعلاج في هذا أن يفرق بين كونه مدمناً على هذا الشيء وبين كونه يقع المرة والمرتين.
فالعلاج لا يكون ولن يكون إلا بتوفيق الله، فأولاً -وقبل كل شيء- يوجد في نفسه الشعور أن قدرة الله فوق كل شيء، وأنه لو عاد إلى الزنا، أو عاد إلى المحرمات، أو عاد إلى العادة السرية ملايين المرات؛ فإن يشأ الله في طرفة عين أن يقلبه كأن لم يفعل شيئاً فعل سبحانه، فإذا أحس بعظمة الله لم يستكثر على الله أن ينجيه، وهنا تكون الثقة بالله؛ لأنه ما أحسن عبدٌ ظنه بربه إلا كان الله عند حسن ظنه، قال تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، ولذلك يحرص الشيطان في المعاصي دائماً على قتل هذه الروح، ومن هنا فرقوا بين العلماء والجهلاء في مسألة المعاصي، وليس المراد بالعلماء العلماء الراسخون في العلم، وإنما العالم هنا هو الذي يعلم من هو ربه بأسمائه وصفاته، فمن عرف الله في رحمته وحلمه وبره وإحسانه إلى خلقه؛ قتل عدو الله إبليس وأهانه وأذله، حتى إنه يعود إلى ربه ولو بعد السنوات الطويلة من المعاصي؛ لأنه ما خاب ظنه أن الله سيخلف عليه بخير يرده عليه.
ومن هنا نقول: إن هذه العادة لما كثر سؤال الناس عنها واشتد البلاء بها، خاصة في هذه الأزمنة التي كثرت فيها الفتن والمحن، وغيرها من المعاصي، حينما اشتد بلاء المعاصي والفتن والشهوات في هذا الزمان الذي عظمت غربته، والذي لا يشتكى فيه إلا إلى الله وحده لا شريك له، فهو وحده الذي يرحم الغرباء، ويلطف بعباده الضعفاء أمام الفتن، وهذا البلاء الذي لا يكشفه أحدٌ سواه جل جلاله وتقدست أسماؤه، فيغاض عدو الله بهذا.
وعلى المسلم أن يعلم أن إدمان المعاصي وتكرارها يفتح عليه باباً، ومن هنا من وقع في الشهوة مرة ليس كمن وقع فيها مرتين، ومن وقع فيها مستخفاً مستهتراً ليس كمن يقع فيها معظماً، وإذا ثبت هذا فعليه أن يعلم أن العودة والتوبة تحتاج إلى قوة، وليس هناك أقوى من العزيمة، فمن صدقت عزيمته في الله سبحانه وتعالى قوي لطف الله عز وجل به، ولذلك قص الله قصص الأنبياء فجعل تفريج الكرب عنهم، وحسن اللطف بهم من قوة الثقة بالله سبحانه وتعالى، ومن هنا قال يعقوب: {إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:96]، فلما علم من الله ما لا يعلمون رد الله عليه بصره، ورد عليه ابنه في أحسن الأحوال وأتمها وأكملها.
فمن سلب شيئاً من دينه ووقع في الفتنة فاشتكى إلى الله جل جلاله، ويا ليت العبد تصور أو شعر حينما يبتلى بالفتنة أنه لن ينجيه إلا الله، وأنه لا يمكن أن يطهر منها إلا بتوفيق الله، فوثق بهذا الأساس، فالتفت يميناً وشمالاً وعلم أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إلى الله، ففر إلى الله، وبحث عن أقرب الطرق إلى الله سبحانه وتعالى؛ لكي يشتكي إلى الله ولا يشتكي إلى أحدٍ سواه، فنظر فوجد أن ربه ينزل في كل ليلة في الثلث الآخر، ويسأل: هل من داعٍ فأستجيب دعوته؟ فاختار أحب الأوقات وأفضلها وأقربها وأرجاها إجابة، فتجرد لله مخلصاً من قلبه، ونادى الله في ظلمة الليل لا يسمعه إلا ربه، واشتكى إلى الله.
ويا ليت أن العبد يعلم ما معنى الشكوى، فإنه ما من عبدٍ ولا أمة يقف بباب الله عز وجل ويقول: يا رب! إني أشكو إليك، إلا كانت شكواه عند الله جل جلاله.
فقد سمع الله الشكوى من فوق سبع سماوات من خولة بنت ثعلبة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها أوس بن الصمات، تقول عائشة: (والله! إني وراء الستر يخفى علي بعض كلامها وهي تقول: يا رسول الله! أكل شبابي، ونثرت له ما في بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي؛ ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك)، فسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، وأعلم خلقه -كل من تلا الآيات البينات- أنه يسمع الشكوى، وأنه يجيب من اشتكى إليه، فإذا اشتكى العبد إلى ربه في ظلمة الليل، وقال: يا رب! إني أشكو إليك نفساً أمارة بالسوء، وضعفاً أمام معاصيك، اللهم أمدني بحول منك وقوة، اللهم أصلح لي ما ظهر وما بطن من أمري، فإن الله لن يخيب عبداً سأله جل جلاله.
فإذا اختار الإنسان مثل هذه المواقف الصادقة لربما ابتلاه الله عز وجل، فمنهم من يعطيه الله الإجابة أسرع من لمح البصر حتى يقوم من مقامه كأن لم تكن به فتنة، ومنهم من يؤخر الله عنه الإجابة، فإذا تأخرت عنه الإجابة اتهم نفسه أنه مقصر اتهام عبدٍ لا يسيء الظن بالله، فإذا اتهم نفسه أنه مقصر لم يستشعر أن أبواباً غلقت دونه، ولكنه يستشعر أن الله يريد منه صدق اللجأ، وأن الله يحب منه أن يناجيه المرة بعد المرة، فكما أن البلايا تكون في الأجساد بالأمراض والأسقام والعلل فكذلك بلايا الدين، فمن قرع باب الله مرة بعد مرة، فإن الله يلطف به.
وهنا وقفة عجيبة: من الناس من يقع في ذنب الزنا، ومنهم من يقع في ذنب النظر، ومنهم من يقع في فتنة الخمر، ومنهم من يقع في غير ذلك؛ فإذا اشتكى إلى الله صادقاً من قلبه لربما قفل الله عليه باباً في هذه الفتنة هو باب عقوبة، لو لم يشتكِ إلى الله لوقع في أشد مما هو فيه.
إذاً: كل من أحس أن دعوته لم تستجب مباشرة فعليه أن يحسن الظن أن هناك مثوبة، وأن الله عز وجل سيعطيه، وقد يصرف عنه من السوء مثلما سأل، وقد يدخر له يوم القيامة لدرجة لا يبلغها بكثرة صلاة ولا صيام.
فإذا فرج عنه في المرة الأولى فالحمد لله، وقد لا يستجاب له من أول الأمر، كما حصل لأحد الأخيار، فقد اشتكى أنه كان على صلاح واستقامة فابتلي بفتنة؛ صعد ذات يومٍ فوق بيته فرأى زوجة جاره، وكانت متهتكة، ثم لم يزل به إبليس حتى أغواه -والعياذ بالله- فوقع في الحرام معها، ثم فتح عليه باب بلاء ما كان يخطر له على بال، فبلغ به الأمر إلى شدة عظيمة حتى كاد أن ييأس من رحمة الله والعياذ بالله، وكان حافظاً للقرآن، ومن خيار الصالحين، فاشتكى إلى أحد طلبة الع