الحكمة في عدم جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة

Q في مسألة إذا خلت المرأة بالماء، ما الحكمة في عدم جوازه في هذه الحالة فقط؟

صلى الله عليه وسلم على الله الأمر، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الرضا والتسليم: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65]، وليس هذا فقط، بل: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:65] أي حرج، فجاءت نكرة، والنكرة تفيد العموم في أساليب العرب: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] فنسأل الله أن يرزقنا التسليم، فالتسليم هو: الإسلام، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الإسلام هو الاستسلام لله.

فمن استسلامك لله إذا جاءك الخبر أن تقول: سمعت وأطعت كما قال أبو هريرة لـ ابن عباس: (يا ابن أخي! إذا سمعت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال) بمجرد ما يصح الخبر ضع رأسك في التراب وقل: سمعت وأطعت غفرانك ربنا وإليك المصير.

وسبحان الله ما سلم عبد لنص كتاب أو سنة إلا جعل الله له فرجاً ومخرجاً، ولذلك شق على الصحابة قول الله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] وعظم عليهم هذا الأمر؛ لأن قلوبهم تعامل الله وتعبده، فخافوا مما أكنوا ومما أظهروا أن يحاسبهم الله به، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله! إن الله يقول كذا وكذا، -فشق عليهم الأمر- فقال صلوات الله وسلامه عليه: ما زدتم على ما قالت بنو إسرائيل) يعني: كونكم تعترضون وتستثقلون هذا الحكم على أنفسكم، ما يجعلكم أنتم وبني إسرائيل إلا سواء، فقال: (قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فنزل جبريل من السماء بالتخفيف والتسهيل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت) كما في الصحيح.

إذاً: إذا جاءك الحكم وقيل لك: يا فلان لا يجوز؛ لأن الله قال أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقل: سمعت وأطعت، ولا تزيد ولا تنقص على هذه الكلمة، وبإذن الله سيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.

ولكن ما أن يقول العبد -والعياذ بالله-: كيف هذا؟ لا ما يمكن! كيف يفتيك العالم الفلاني بعدم الجواز؟ هذا ما نقبله!! فيرد السنة والنقل بالعقل فهذا هو العار والشنار وخزي الدنيا والآخرة، وربما أفضى إلى النار وبئس القرار.

لا يجوز تحكيم الأهواء والآراء في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بل بمجرد ما يأتيك الشيء استسلم لله، فإن الاستسلام مظنة الفرج، ألا ترى إبراهيم عليه السلام قال الله عنه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] استسلم لأمر الله، ما قال: يا رب! كيف أقتل ابني فلذة كبدي؟ ولكن جاء الأمر فقال: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] فجاء الابن الصالح: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] إذا كان الله أمر فأنا مستسلم، حتى ورد في الخبر أنه قال: يا أبت أكفأني على وجهي، حتى لا تدرك عطف الأبوة وحنان الأب فلا تأتمر بأمر الله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] استسلم لله، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات:103 - 105].

إذاً التسليم هو مظنة الفرج، وأما كون الإنسان يحكم رأيه فهذا ليس بإيمان، وكون الإنسان تأتيه السنة فيحكم رأيه، ويقول: الذي يوافق العقل نعمل به، والذي يصادمه لا نعمل به، كيف هذا! ما يمكن!! كيف ما يجوز؟ لا، كيف يحل؟ كيف يجب؟ هذا كله -والعياذ بالله- عدم تسليم لله ورسوله.

يقول بعض السلف: (لا يؤمن على الرجل إذا ترك سنة أن يهلك)، يعني: في دينه ودنياه وآخرته، ولذلك قال أبو بكر: (والله لا يبلغني شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا عملت به؛ إني أخاف إن تركت شيئاً من سنته أن أضل) صلوات الله وسلامه عليه.

فإذاً التسليم والمتابعة المجردة والالتزام هو الهداية وهو التوفيق والسعادة والرحمة؛ لأن الله يقول: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] اتبعوه في كل ما جاءكم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغتسل من فضل المرأة) إذاً لا أغتسل والمرأة المؤمنة لا تقول: الإسلام يفضل الرجل على المرأة؟! بل تقول: الله هو الحكم العدل الذي هو أعلم بعباده، وأحكم في خلقه، فرغمت أنوف الكفار الذين يدعون أن الإسلام يفرق بين الرجل والمرأة، أبداً بل نحن راضون مسلِّمون، هذا هو الإيمان، وعندها تكون الرحمة والرضا ويكون التوفيق وانشراح الصدر.

ويا لله! هناك أقوام بمجرد ما تبلغهم السنة يطيرون بها فرحاً، والناس في السنن على أحوال ومراتب، أعظمها وأجلها -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- من تتشوق نفسه إلى معرفة السنة.

فإذا بلغك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: الحمد لله الذي بلغني معرفة هذه السنة.

الأمر الثاني: تسأل الله المعونة في امتثال أمره واتباعه صلوات الله وسلامه عليه، فتجد نفسك تتشوق للخير، ولا تزال تعمل بالأحاديث والسنن، حتى تكتب من أهل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولئك القوم الذين وجوههم ناضرة في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يحشرنا وإياكم في زمرتهم.

فالمقصود: أن الواجب علينا أن نسلم، ولا داعي للبحث عن العلل، وآراء الرجال، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون، وعقل ناقص لا يستطيع أن يعرف الحكم والأسرار من الله العظيم الكامل جل جلاله وتقدست أسماؤه، فليس لنا إلا الرضا والتسليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015