Q هل من السنة الإكثار من الصيام في شهر شعبان؟
صلى الله عليه وسلم ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الصوم في شعبان، ولكن هذا الصوم المراد به التقوي على العبادة؛ لأن شهر رمضان قرب، فإذا صام من شعبان ألفت نفسه الصوم، ولذلك فإن من يصوم من شعبان الإثنين والخميس، والثلاثة الأيام البيض، ويصوم من قبل نهاية الشهر فيصوم مثلاً يومين أو ثلاثة أيام؛ فإنه يتقوى، وإذا دخل عليه رمضان فلا تجده يتعب، ولا يجد العناء في أول يوم من رمضان، بخلاف ما إذا دخل عليه رمضان ولم يصم شيئاً من شعبان، فإنك تجده في تعب وعناء، وهذا له سر لطيف ذكره العلماء والأئمة مستنبطاً من السنة، وهو: أن السنة هيأت العبد للعبادة، ولذلك شرعت السنن الراتبة قبل الفريضة لتهيئ للفريضة، وشرعت ركعتي المسجد إذا دخل المسجد حتى يتهيأ للفريضة، فتنقطع عنه الشواغل، وقد نوى أن يتهيأ الجسد فيقوى على العبادة أكثر، فأنت إذا تأملت من يصوم في شعبان وجاء عليه أول يوم من رمضان، تجده يقوم بأموره معتاداً ولا يكسله الصوم عن فرائض الله، ولا يكسله عن مصالحه، وتجده مؤمناً قوياً، ولا يوجد عنده ضعف.
ولكن إذا صام أول يوم من رمضان ولم يصم من قبل، فتجده إما منهكاً أو يعتريه صداع أو آلام من أثر هذه العبادة؛ لأنها فاجأته، ولذلك شرع الصوم في شعبان.
وانظر إلى حكمة الشريعة: فإنها فتحت باب التقوّي على العبادة ما لم يؤد ذلك إلى ضياع الحق، فمن كان الصوم في شعبان يضعفه في رمضان، فإنه لا يصوم بعد منتصف شعبان، ومن هنا جاء النهي في حديث العلاء رضي الله عنه، وهذا من الفقه عند الإنسان أن يعرف موارد النصوص ومقاصدها، فالصوم عبادة بدنية محضة، والصلاة عبادة بدنية محضة، وقد وجدنا الشرع في الصلاة يهيئ الإنسان للأكمل، حتى في النوافل، فليس هذا خاصاً بالفرائض، ففي النوافل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه استفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين)، وكان يصلي عليه الصلاة والسلام بأطول الطوال، فيقرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة، وقد استفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين حتى يسهل عليه طول القيام بعد ذلك، أما لو ابتدأ بالركعتين الطويلتين مباشرة، فإن نفسه تمل أو تضعف، ومن هنا قالوا: تهيأ العبادة بالأقل والأضعف، فصوم النافلة أضعف من الفريضة، وأما حديث العلاء فالمقصود به من كان يضعفه الصوم، فلو وجدنا شخصاً يصوم في شعبان، كرجل كبير السن لا يستطيع أن يصوم رمضان إلا بقوة وجهد، فإنه إذا صام شعبان ضعف عن رمضان، وربما اضطره ذلك إلى الفطر، فحينئذٍ نقول له: لا تصم بعد منتصف شعبان، وينهى عن الصوم بعد منتصف شعبان، وهذا هو معنى حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، فهذا على من يجهده.
ومثل قولنا حديث: (ليس من البر الصيام في السفر)، مع ما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أحد الصحابة قائلاً: (يا رسول الله! إني أطيق الصوم في السفر، قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)، فهذا الفقه أننا نجمع النصوص وننظر في دلالتها وننظر في مقصود الشرع، فلا نحرم على الناس الصوم في شعبان، ولا نفتح الباب على مصراعيه حتى يضيع فرض الله عز وجل في رمضان، ولكن نقول: إن الأصل أن الإنسان يتقوى بالنافلة على الفريضة.
والدليل على أنه يجوز الصوم من بعد منتصف شعبان: أن حديث العلاء: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، أقوى ما قيل أنه حسن، وحديث ابن عمر في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فهذا في الصحيح، فهو حديث ثابت لا غبار عليه، فمن أجاز الصوم بعد منتصف شعبان يقول: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين)، فمعنى ذلك: أننا لو تقدمنا رمضان بثلاثة أيام أو أربعة أيام فلا حرج؛ لأن الذي مُنع هو اليوم واليومان، فدخل منتصف شعبان الأخير تحت هذا الأصل الصحيح العام، فنقول بالصوم بعد منتصف شعبان لمن يتقوى بذلك على صوم الفريضة، ونمنع من صومه لمن يضعف عن صوم الفريضة، وبهذا أُعطي لكل ذي حقٍ حقه، وحقق مقصود الشرع، والنظر إلى معاني الأدلة والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.