Q أنا شاب مستقيم وطالب علم فيما أحسب، إلا أنني أعاني من مشكلة تؤلمني كثيراً وهي: الطبع الحاد، والشدة في التعامل مع الناس؛ مما يسبب لي كثيراً من المشاكل والتصرفات التي سرعان ما أندم عليها، أرجو من فضيلتكم التوجيه والنصح، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم لا يهذب أخلاق المؤمن شيء مثل كثرة الدعاء؛ لأن الأخلاق منحة من الله عز وجل، ولذلك قال: (يا رسول الله! أهو فيَّ أم شيء جبلني الله عليه؟ فقال: بل شيء جبلك الله عليه، قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله).
الأخلاق بالدعاء، ونعمة عظيمة أن يلهم الإنسان كثرة الدعاء، دائماً تقول في مظان الإجابة: اللهم! اهدني لأحسن الأخلاق والأقوال، وتسأل الله أن يهديك حسن الخلق، الدعاء أمر مهم جداً.
الأمر الثاني من الأمور التي تهذب أخلاق الإنسان وتقومه: كثرة تلاوة القرآن؛ لأن القرآن مع التأثر والاتعاظ يحكم القلب، وسلطانه على القلب قوي جداً، فالقلب إذا ارتدع بالقرآن خاف، وإذا خاف راقب الأعضاء والجوارح فزمها بزمام التقوى، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]، فهذا القرآن الذي أقام الناس على مشاهد الآخرة ومشاهد الحساب ومشاهد المسؤولية، فيصبح طبعك مع الناس بدل الشدة اللين، وبدل العنف الشفقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيصبح عندك تروي في الأمور بفضل الله ثم بفضل القرآن، وقلّ أن تجد رجلاً من أهل القرآن إلا وجدته معصوماً بعصمة الله عز وجل في لسانه.
الأمر الثالث مما يعين على سلامة القول وسلامة الخلق وذهاب حدة الطبع: قيام الليل، فالمحافظة على قيام الليل من أعظم الأمور التي تهذب أخلاق العبد، ولذلك قال الله لنبيه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]، فغالباً ما تجد قائم الليل زكي الأخلاق زكي النفس، اجعل لك حظاً من كتاب الله في جوف الليل الأظلم، خاصة في الثلث الأخير من الليل، وجرب بكاء الأسحار وتلاوة القرآن في الأسحار، فإن لها أثراً بليغاً في تهذيب الأخلاق وتقويمها ودلالتها على التي هي أقوم، وهذا شيء معروف يعرفه من يعرفه، فالأخلاق تهذب بقيام الليل، فتنشرح الصدور وتطمئن، فيذهب القلق، وتذهب الحدة، ويذهب الانزعاج.
الأمر الرابع: التسليم لله عز وجل، إذا كان هذا الأمر طبع فيك وما تستطيع أن تخرجه من نفسك، فهذا شيء لا تملكه، ولذلك موسى عليه السلام من أنبياء الله عز وجل لما أخذ برأس أخيه هارون وبلحيته، وألقى الألواح التي فيها كلام الله عز وجل، فإن هذا من شدة الغيرة على دين الله عز وجل، والشدة في طاعة الله عز وجل ومرضاته، ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ} [الأعراف:150]، بين له عذره، فاستغفر له ولنفسه {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} [الأعراف:151]، فهذا طبع في الإنسان، أبو بكر رضي الله عنه كان محرماً مع النبي صلى الله عليه وسلم ويمسك خادمه ويضربه، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا ماذا يصنع المحرم!)، وهو صديق الأمة وخير الأمة بعد نبيها صلوات الله وسلامه عليه.
يوجد أشياء لا تملكها، فإذا كان الخلق الحسن لا تملكه فأوصيك -وهذا الأمر الخامس- أول شيء بالرجوع إلى الحق، بمجرد ما تنتهي من أذية أحد ترجع إليه وتقول له: يا أخي! أنا أخطأت في حقك، والاعتذار يؤثر في نفسك، ويحرجك أن تعود المرة الثانية، فاعتذر مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً حتى تخجل من نفسك، وأقل ما فيها -وليس بالقليل- أنك تحملت الظلم، فإذا أخطأت فعود نفسك أنك تعتذر مباشرة.
الأمر السادس: أن تبتعد عن الأمور التي تستفزك! وصية أخيرة: الحدة غالباً ما تأتي أمام الضعفاء، فدائماً إذا ابتليت بضعيف في حق من حقوقك أو في أي شيء فتصور كأنك أمام إنسان عظيم، وهذا مما يعين على الأخلاق الكريمة، خاصة لو أردت أن تعرف حقيقة الرجل فانظر إليه مع الضعفاء، وكان أئمة السلف يضربون في ذلك المثل العظيم، يقول القائل: ما كان أعز الفقراء في مجلس سفيان الثوري رحمه الله، فكان يعز الفقراء والضعفاء، فالحدة ما تشتد أكثر إلا على الضعفاء، لكن أمام الأقوياء تنزل السكينة، وينزل الهدوء، وينزل التعقل، ابتلاء من الله عز وجل.
فالناس بسبب ضعف الإيمان إذا وقفوا أمام الأقوياء استضعفوا، وإذا كانوا أمام الضعفاء استقووا، فإذا وقفت أمام ضعيف تصور أنه قوي، تصور أنه من أقوى الناس، وإذا تصورت ذلك التصور فاعلم أن قوته -إذا كان مظلوماً وتريد أن تحتد عليه- من الله وليست من الناس، فهذا أقوى الأقوياء وهو الضعيف الذي تراه أمامك، من يكون مظلوماً فالله جعل له سلطاناً ونصيراً، فلا تستضعف الناس، ولا تظن أن الناس ضعفاء، فإنهم بربهم أقوياء خاصة أهل الإيمان يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] (إن) للتحقيق، وقال: (يدافع) وما قال: يدفع، وزيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، أي: دفاعاً عظيماً، ثم كلمة دفع في لغة العرب لها قوة ولها معنى، أي: أن كل الظلم الذي سيأتيهم والأذية سيدفعها الله عز وجل، ثم قال: (عن الذين آمنوا)، عن فقرائهم وأغنيائهم، عن ضعفائهم وأقويائهم، عن كل شخص يذل أو يهان ما دام أنه من أهل الإيمان، فقد تولى الله أمره والدفاع عنه، وإذا تولى الله الدفاع عنه ما يستطيع أحد أن يقف في وجهه، فالله سبحانه وتعالى غالبٌ على أمره، فعلى كل إنسان أن يحاول قدر المستطاع أن يأخذ بهذه الأسس التي تعينه على سلامة قلبه والتحكم فيه.
ونسأل الله بعزته وجلاله أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا شرها وسيئها، لا يصرف عنا شرها وسيئها إلا هو، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.