Q إذا كان هناك بعض الأقوال على منع تغريب المرأة واختصاصه بالرجال، فما توجيهكم حفظكم الله لبعض النساء اللاتي يسافرن بالطائرات في الإجازات أو مع السائقين للعمل لمسافات أكثر من مسافة القصر؟
صلى الله عليه وسلم هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله، وإذا كان أحد من أهل العلم أفتى هؤلاء النسوة بأن يسافرن بلا محرم فهو الذي يتحمل مسئوليتهن، وهن إذا كن -فيما بينهن وبين الله عز وجل- يعتقدن علم هذا العالم، وأنه حجة لهن بين يدي الله، وعملن بقوله؛ فلا ينكر عليهن، وهذا قول طائفة من السلف رحمهم الله، إذا كانت الرفقة مأمونة، وفيها حديث عدي بن حاتم المشهور في الصحيح، ولا إنكار في المختلف فيه، هذا إذا كن يتأولن هذا القول، وأما القول الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز خروج المرأة مسافة القصر بدون محرم، وفي هذا نص واضح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم)، فوجب البقاء على هذا النص، وهذا هو الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله، ففي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام (أنه جاءه رجل، وقال: يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي انطلقت حاجة، فقال صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك)، وما قال له: هل الرفقة مأمونة أو غير مأمونة؟ وكانت في رفقة حج، وهم صحابة رضوان الله عنهم وأرضاهم، ومع ذلك يقول: (انطلق فحج مع امرأتك) والقاعدة الأصولية أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
قال بعض العلماء: في قوله: اكتتبت، مسألة فقهية؛ لأنه حينما اكتتب في الغزوة، تعين عليه الغزو والجهاد، ومع ذلك أسقط عنه الواجب والفرض؛ لأنه إذا اكتتب الشخص وعينه الإمام، أو جاء متطوعاً وقبله الإمام؛ فقد تعين عليه الخروج، وهذا حدده الإمام، قال: إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك) فلا يسقط هذا الواجب إلا بواجب أعظم منه؛ لأنه من باب تقديم الفرض على الفرض، فدل على أن أمره هذا فيه صيانة للعرض، وهو أعظم، وهو نوع جهاد، فإن سفر الرجل مع زوجته ليحافظ عليها، وسفر الأخ مع أخته كذلك؛ نوع جهاد.
ولكن هنا ننبه على مسألة وهي: أن على كل واحد منا أن يتقي الله في قرابته ونسائه وعرضه، وألا يقصر في مساعدتهن، فإذا احتاجت أن تخرج وقالت له: أريدك أن تكون معي، أن تسافر معي، وبإمكانه ذلك؛ فليحتسب عند الله عز وجل ذلك، وهذا من صلة الرحم، ما دام أنها في غير معصية، وأنها في غير غضب الله عز وجل، وأنها لا تفعل الحرام، تكون خارجة لأمر مباح، أو مصلحة من مصالحها الدنيوية أو الأخروية، المصالح الدنيوية مثل: التجارة والعمل، والمصالح الدينية مثل: الحج والعمرة وبرها بوالديها، مثل أن تسافر بوالديها، فعلى الرجال أن يضحوا، أما أن يقول لها: ما يجوز لك أن تخرجي، ثم هو لا يوصلها، ويجلس المحرم يقول لها: ما يجوز لكي أن تفعلي هذا، ثم لا يفعل شيئاً، ولا يقدم شيئاً، فهذا من الصعوبة بمكان، ولذلك من يريد السنة أن تقبل، والحق أن يقبل، والخير أن ينتشر؛ فليضحِ وليقدم الثمن، ومن أبلغ ما يكون من مرضات الله عز وجل بر الوالدين وصلة الرحم، فهذان الأمران خيرهما عاجل وآجل، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من أحب منكم أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أي: يزاد له في عمره- فليصل رحمه)، وأقرب الناس منك رحماً أختك وأخوك، فالأخت والأخ هم أحق القرابة -بعد الوالدين والولد- بالصلة والبر والإحسان.
فعلينا أن نتقي الله عز وجل، وأن ننظر للأمر بهذه النظرة، وأن يحرص الإنسان على القيام على عرضه وأهله، بعض الأخيار تحتاج أخته أن تذهب لشراء بعض الأمور التي تحتاجها أو يحتاجها أولادها، فتقول له: أريدك أن تذهب معي إلى السوق، فيقول: لا، ما تذهبي إلى السوق، وما تذهبي إلى السوق إلا مرة واحدة، جزاك الله خيراً على الغيرة، ولكن حينما تكون حكيماً لبيباً محافظاً على حدود الله محسناً إلى خلق الله؛ فهذا أكمل وأفضل، قل لها: اختاري وقتاً مناسباً أبعد عن الفتنة، فيذهب بها مثلاً في الصباح الباكر، ويقضي لها حوائجها، وينتظرها حتى تشتري ما تريد، فيكون أمر ونهي؛ وهي تحس أنه يريد الخير لها، لكن يأتي ويقفل أمامها الباب، لا تخرج ولا تدخل، ولا يقضي لها حوائجها، وإن قضى لها حوائجها جاءها بكل هم وغم، وتكلم عليها، وأساء إليها، ويحاسبها، وهذا أمر ينبغي لكل إنسان منصف أن ينظر إليه في نفسه.
والله! إننا لنعيب من غيرنا ما لو عبناه على أنفسنا لأهلكنا أنفسنا بأنفسنا، يشهد الإنسان على نفسه من حيث لا يشعر، فالواحد منا إذا قال له أخوه: أريد أن أذهب إلى السوق، يقول له: ماذا تفعل؟ وماذا تشتري؟ وكم تشتري؟ ما هذا التدقيق الذي يدققه مع أخيه؟ ولو نظر إلى نفسه لوجد أنه يذهب إلى السوق عشرات المرات، وأن الذي اشتراه أخوه مرة؛ يشتريه هو مئات المرات، هناك أمور ندقق فيها، وكأن الشيطان يتسلط علينا، ولذلك من سنن الله عز وجل أنه يجازي المخلوق بما يعامل إخوانه، ومن شدد على الناس؛ شدد الله عليه، ومن يسر على الناس؛ يسر الله عليه، وأولى الناس بتيسيرك أقرب الناس منك، جرب وانظر، فما من زوج ولا أخ يحسن إلى أهله وولده ورحمه وقرابته، ويلاطفهم، ويدخل السرور عليهم؛ إلا كانوا أسمع ما يكون له إذا أمر أو نهى، وهذا هو الذي تؤخذ به الحجز عن النار، فلا بد للإنسان أن ينظر للأمر نظرة عامة كاملة شاملة، وألا يحرجهم لهذا الأمر، وإذا جاء في مسألة فيها شبهة، سأل بالأفضل والأكمل، وجاء به على أحسن الأوجه وأتمها.
كان بعض العلماء والفضلاء إذا احتاج أهله إلى لباس، نظر إلى أهله قبل أن يسألوه، وجاءهم بما يحتاجون إليه، ما يأتيهم بالشيء الواحد، يأتي بأربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أصناف، من أجود وأحسن ما يكون، ويضعها بين يدي زوجته، ويقول: اختاري ما شئت، فإذا بها تحار! لو نزلت هي إلى السوق لا تجد مثل هذا، فمن يريد أن يحفظ أهله؛ فليضح.
عليك أن تنظر إلى حاله عليه الصلاة والسلام مع أمهات المؤمنين ومع ولده، وإذا أردت أن تكون مثل ما كان عليه، وتأمرهم، وتنهاهم، وتلزمهم بالسنة؛ فانظر إلى حاله عليه الصلاة والسلام في إحسانه وبره لهم، تنظر إليه زوجاً يقف لزوجته من أجل أن تنظر، وتنفس عن نفسها، وتنظر إليه عليه الصلاة والسلام أباً يدخل السرور على بنته زينب رضوان الله عنها بحمل ابنتها أمامة في الصلاة التي جعلت قرة عينه، المسألة كلها مشاعر، فقد ملك عليه الصلاة والسلام القلوب ببره وإحسانه، وكان عليه الصلاة والسلام يفتح القلوب قبل أن يفتح الأسماع، فمن ينظر إلى سيرته وهديه عليه الصلاة والسلام عندما يريد أن يقيم بيتاً قائماً على السنة فينبغي أن يتفقد مداخل الشيطان على أهله وولده.
بعضهم إذا أرادت زوجته أن تذهب أو تسافر يقفل أمامها الباب: لا تذهبي، ولماذا تذهبين؟ وكم تذهبين؟! جزاك الله خيراً على الغيرة، ولكن عليك أن تفكر في الأصلح والأكمل، حتى لا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، إذا فعلت ذلك؛ اتقيت الله، وكنت أحسن ما يكون حالاً، وأمنت من الفتنة، فقل أن يجد الشيطان سبيلاً على أمثال هذه النفوس الكريمة الأبية السوية الرضية الهنية التي تبحث عن سعادة أهلها وأولادها.
والعكس بالعكس، فإذا شدد الإنسان شدد الله عليه، وهكذا تجد من يكون عنيفاً في أسلوبه، ونعرف هذا من خلال فتاوى الناس وأسئلتهم، فبعضهم يأتي بمسائل معقدة تماماً حتى تتعارض عنده نصوص الشرع؛ لأنه أوصل نفسه إلى حرج وضيق بطريقته التي يسير عليها، فلما تسأل عن أمور ترتبت عليها هذه المسائل؛ تجد أنه لا يتتبع السنة، ولا يترسم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مراعاة الأكمل والأفضل.
فهذه وصية عامة: أن يحرص الإنسان كل الحرص على أن يحفظ عرضه، ولكن يقفل الوسائل أو الطرق التي تفضي إلى وقوعهن في الفتنة، وعماد الخير في تقوى الله عز وجل، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل عسر يسراً، فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا من المتقين، وأن يحفظ أعراضنا وأعراض المؤمنين، إنه ولي ذلك، وهو أرحم الراحمين.