ومن شروطها: تحديد القاتل؛ لأن بعضهم أوصل الشروط إلى عشرة لكن فيها نظر، فتحديد القاتل أصل في دعوى القتل، وهو شرط معروف في دعوى القتل بأن يذكروه محدداً باسمه ونسبه، ويرفعون النسب، أو يكون حاضراً في مجلس الحكم كما ذكرنا، فيشيرون إليه.
لكن لو أنهم ادعوا وقالوا: جماعة قتلته، فلا تقبل القسامة؛ حتى يحددوا، فإذا حددوا وبينوا؛ فحينئذ تقبل دعواهم.
وعلى هذا قال رحمه الله: (فمن ادعي عليه القتل من غير لوث) فإذا ادعوا على شخص أنه قتل موليهم، نقول لهم: أثبتوا اللوث.
كيف يثبت اللوث؟ يثبت اللوث بالعداوة بين قبيلة القاتل وقبيلة المقتول، فيشهد الشهود أن بين بني فلان وبني فلان ثارات، وقد يكون بين البيتين، فإذا ثبت بشهادة العدلين، فهو لوث.
ثانيا: ً يثبت اللوث أيضاً -وهو العداوة- بأن تكون خصومة وقعت بين اثنين، كأن يكونا قد اختصما في أرض، أو في مال، فهذه عداوة ظاهرة.
فإذا ادعى عليه ففي هذه الحالة نحكم، لكن لو لم يثبت اللوث، بأن قالوا: فلان قتل فلاناً، قلنا: هل هناك عداوة ظاهرة؟ هل هناك لوث؟ قالوا: لا، فحينئذ إذا كان هناك حال لاجتماعهم مثلاً: أن يكونوا في زحام على سيارة، أو في زحام على بئر، أو في زحام على طاعة أو قربة، وتفرقوا وهذا مقتول، فحينئذ هذا لا يشترط فيه اللوث، فتقبل فيه الدعوى، لكنها دعوى على قتل خطأ، وليست على قتل عمد، ونحن نتكلم على قتل العمد.
ومن هنا ينبغي أن ينتبه إلى كلام المصنف؛ فقوله: (من غير لوث) ليس على إطلاقه.
قد تقع القسامة في غير قتل العمد كما ذكرنا، كالقتل الخطأ، وقد يكون في زحام شديد، أو طلب لحاجة أو مصلحة، فيجتمعون ويعصر بعضهم بعضاً ويؤذي بعضهم بعضاً، ويحصل القتل، فإذا حصل القتل من هذه الجماعة، قالوا: فلان هو الذي رأيناه أو شاهدناه يفعل كذا وكذا، وحينئذ يؤخذ ويطالب فإذا ثبتت عليه الأيمان، فإننا نحكم عليه بموجب القسامة.
لكن لو لم تكن هناك عداوة ظاهرة فيما هو من قتل العمد، ولم يكن هناك لوث، فإنه في هذه الحالة إذا قالوا: فلان قتل فلاناً، قلنا لهم: أحضروا البينة، قالوا: نحلف أيمان القسامة، قلنا: لا نقبل؛ لأنه ليس هناك ما يدل على شرعية القسامة في هذه القضية، فإذا قلنا لهم: لا تحلفوا، أحضروا البينة، قالوا: لا بينة عندنا، قلنا للخصم الذي ادعي عليه: احلف اليمين، فإذا حلف اليمين بالله عز وجل أنه ما قتل، ولا يعلم من قتله، فلا إشكال، لكن لو امتنع من حلف اليمين فوجهان: قال بعض العلماء: إذا امتنع من حلف اليمين كان اللوث، وأصبح نكوله عن اليمين موجباً للتهمة فيه؛ لأنه لو برئ سيحلف، ولا تضره اليمين شيئاً، فإذا نكل وامتنع، فإنه حينئذ يثبت اللوث، فيقيم القاضي القسامة، ويأذن لأولياء المقتول أن يقيموا عليه أيمان القسامة.
هذا طبعاً مذهب الجمهور من حيث الأصل، حيث يذهبون إلى أنه لا تقام القسامة مجردة.
وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية ثانية: أنه إذا ادعي على شخص أنه قتل شخصاً، ولم يكن هناك لوث، فعند عجز المدعي عن البينة يطالب المدعى عليه بأن يشهد خمسين يميناً بالله عز وجل أنه ما قتل ولا يعلم من الذي قتله، هذا الأصل.
وعلى هذا نقول: الصحيح أنه إذا ادعي على شخص أنه قتل شخصاً لا نحكم بالقسامة إذا لم يكن هناك لوث، ما لم تكن في المسائل التي لا يشترط فيها اللوث، فإذا عجز أولياء المقتول عن إثبات اللوث، قلنا للخصم: احلف اليمين عند عجزهم عن إثبات اللوث، وعجزهم عن البينة؛ فإذا حلف اليمين برئ؛ لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولكن اليمين على المدعى عليه)، وفي لفظ: (ولكن اليمين على من أنكر) وفي حديث البيهقي وغيره: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، وفي لفظ: (على المدعى عليه) فنحن لا نطالب المدعى عليه بأكثر من يمين واحدة، فإذا قال: ما قتلته، فإننا نقبل قوله، ونقول له: احلف اليمين أنك ما قتلت، فإذا نكل عنها، فاختار جمع من العلماء -كما نص عليه الإمام النووي رحمه الله وبعض المحققين- أنه يكون أمارة على اللوث؛ فيستحق الأولياء بعد ذلك أن يشهدوا أيمان القسامة.