أوجه الكفارة وشروط وجوبها

هذا الفصل بين المصنف رحمه الله فيه وجوه الكفارة: بقوله: (من قتل نفساً محرمة).

من قتل نفساً محرمة -فخرج بذلك من قتل نفساً غير محرمة- مثلما يقع بين العدو وعدوه، فقد تقع عداوة وخصومة بين اثنين من المسلمين، فيقتل أحدهما الآخر، هذا ظاهره العموم، فيشمل العمد.

أو يقتلها خطأً مثل أن يدوسه بسيارته، فيقتل نفساً محرمة، إذاً يشترط أن تكون نفساً معصومة، سواءً كانت هذه النفس صغيرة، أو كبيرة، يعني: لو قتل طفلاً صغيراً، فإنه تجب عليه الكفارة، كما لو قتل كبيراً، ولو قتل أنثى وجبت عليه الكفارة، كما لو قتل ذكراً.

فإذاً لابد أن تكون النفس محرمة، وعلى هذا قالوا: لو ضرب امرأة حاملاً خطأً، فألقت جنينها ميتاً، وعُلمت حياته قبل الضرب، قالوا: إن هذا عليه كفارة القتل، أو طبيب أعطاها دواءً فأخطأ فأسقطت الجنين، فخرج ميتاً، فإنه يجب عليه كفارة، أو أعطى دواءً لصغير قريب الولادة، فكان سبباً في موته خطأً، فإنه يجب عليه أن يكفر.

قال: (محرمة) بناء ًعلى ذلك يرد

Q لو أنه قتل نفساً مباحة القتل، مثلاً الآن: وجب القصاص على قاتل، فجاء السياف وضرب عنق القاتل، فالسياف قاتل، لكنه قاتل لنفس يباح قتلها، فلا تجب عليه الكفارة.

إذاً يشترط أن تكون النفس محرمة، كذلك أيضاً لو أن شخصاً كان في بيته، فهجم عليه شخص معه سلاحه يريد أن يقتله، أو يريد أن ينتهك عرضه والعياذ بالله! أو يريد أن يأخذ ماله، فقال بعض العلماء: بمشروعية المقاتلة؛ وذلك لقوله كما في الحديث: (يارسول الله! أرأيت إن جاء يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه قال: أرأيت إن قاتلني قال: قاتله قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار قال: أرأيت إن قتلني، قال: أنت شهيد)، فجعل من ذب عن عرضه، وعن نفسه، وعن ماله شهيداً، وجاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (من قُتِلَ دون عرضه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد)، ففي هذه الحالة، لو أنه كان في بيته فهجم عليه شخص صائل، وحاول أن يدفعه بالموعظة فلم يندفع، وحاول أن يذكره بالله فلم يتذكر، أو لم يسع الوقت أن يذكره، كأن جاء شاهراً سلاحه، وعلم أنه إذا لم يقتله سيقتله، أو أنه يريد أن يقتل قريبه، أو زوجه، وكان هو متخفياً ومعه سلاحه، فعلم أنه لو تأخر سيقتله.

والشرط في دفع الصائل: هو أن لا وسيلة لدفع شره من اعتدائه على العرض بالزنا مثلاً إلا بقتله، فإنه يكون هدر الدم، ففي هذه الحالة لو أطلق عليه النار وقتله، وكان مستوفي الشروط، فإنه حينئذ تكون نفساً يباح قتلها؛ لأنه باعتدائه على عرضه، وصولانه على أعراض المسلمين بدون حق، أهدر حقه وأسقطه، فإذا قتله فقد قتل نفساً مباحة القتل، بهذا الوجه، كذلك أيضاً البغاة الذين يبغون، ويخرجون على إمام المسلمين، فلو قاتلهم شخص فقتل منهم، فلا يجب عليه القصاص ولا الدية.

إذاً يشترط في وجوب كفارة القتل الخطأ: أن تكون النفس المقتولة معصومة محرمة، وعلى هذا لو كان حربياً، لو كان باغياً، لو كان صائلاً، لو كان مباح الدم؛ بأن قتل فقُتل بالدم الذي قتله، أو كان محصناً فتأول قتله، فإنه لا تجب عليه الكفارة.

قوله: (خطأً) مفهومه أنه لو قتله عمداً فلا كفارة عليه، وفي قوله: خطأً يلتحق به شبه العمد؛ لأن شبه العمد يجري مجرى الخطأ ويأخذ حكم الخطأ.

قوله: (مباشرة) مثل أن يحمل السلاح ويقتله، كما تقدم معنا في قتل المباشرة.

قوله: [أو تسبباً بغير حق] مثلاً: ألجأه حتى أدخله في مكان فيه أسد، وقفل عليه الباب، فالذي باشر القتل هو الأسد، أي أن الذي افترسه وقتله هو الأسد، لكن الذي تسبب وأغلق الدار، أو ربطه في حوض، وملأ عليه الحوض بالماء حتى فلتت نفسه، هو ذلك الشخص المتسبب في هذا.

وقد تقدمت معنا صور السببية والمباشرة، وفصلنا فيها، فإن كانت سببية -وهذا في العمد- فالشافعية عندهم: أن العمد يوجب الكفارة، لكن إن قلنا: إن العمد لا يوجب الكفارة، كيف يكون قتل المباشرة؟ مثلاً: أخطأ وظنه كافراً، وأطلق عليه على أنه حربي أو معادٍ، فقتله، وتبين أنه مسلم فعليه الكفارة، كذلك أيضاً في مسألة السببية: أن يتسبب في قتله، مثل الطبيب يخطئ في دواء فيعطيه لمريض خطأً، ويكون هذا الدواء قاتلاً، فتناوله المريض، فالذي باشر قتل نفسه هو المريض حينما تناول الدواء؛ لأن الطبيب لم يضع الداء، لكن لو أعطى الطبيبُ الحقنةَ للمريض بنفسه فقد باشر، لكن حينما يصف له دواءً فقد تسبب، هذا قتل بالسببية، وهو خطأ؛ لأن مقصود الطبيب أن يداوي ويعالج، والظن بالطبيب أنه يريد الخير للمريض، فإذا أخطأ ووقع المكروه من فوات النفس، وجبت عليه الكفارة.

قوله: (فعليه الكفارة).

أي: تلزم القاتل الكفارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015