المرأة المسلمة والدعوة إلى الله

Q ما هو واجب المرأة المسلمة تجاه أخواتها من الأقارب والجيران في الدعوة إلى الله؟ وما هي الوسائل المعينة على ذلك؟ وهل المرأة مأجورة على دعوتها لأهلها وأقاربها، حتى وإن رفضوا وأعرضوا، أثابكم الله؟

صلى الله عليه وسلم في الحقيقة الكلام على دعوة المرأة أمر يحتاج إلى تفصيل، ويحتاج إلى تأصيل، ويحتاج إلى شرح وبيان؛ لأنه كلما عظم الشيء وجلَّت مرتبته ومنزلته عند الله عز وجل، كان أحق أن يوفى حقه، ولكن هناك أمور: فالمرأة الصالحة إذا أراد الله بها خيراً حبب الدين إليها، فشرح صدرها، وطمأن قلبها بذكر الله عز وجل، فإذا أراد الله أن يعلي مرتبتها، وأن يعلي منزلتها، ألهمها طلب العلم، وألهمها أن تتبصر في أمور دينها، فتحب العلم، وتحب سماع العلم ومذاكرة العلم، فتتفقه في أمور دينها، وتعرف حلال ربها وحرامه، وشرعه ونظامه.

وتعلم كذلك ما يجب عليها فيما بينها وبين الله سبحانه وتعالى، من تصحيح عقيدتها، وسلامة إيمانها والتعرف على حقوق ربها، من الإخلاص وابتغاء ما عنده سبحانه وتعالى، فإذا أراد الله أن يعلي مرتبتها أكثر هيأها إلى العمل بهذا العلم الذي تعلمته، فتجد المرأة الصالحة تبحث عن الخير، فإذا وجدته تعلمته وعلمته، ثم إذا تعلمت ذلك العلم حرصت على التطبيق والعمل، فإذا أراد الله أن يزيدها علواً في الدرجة وعظماً في الأجر، شرح صدرها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأصبحت آمرة بأمر الله، ناهية عما نهى الله عنه، تقول بقول الله، وتنهى بنهي الله، وعندها تنال الحكمة التي لا يعطاها ولا يؤتاها إلا من أراد الله له الخير الكثير: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269] وكثيراً من الله ليست بالهينة.

والحكمة المراد بها هنا علم القرآن والسنة؛ لأن الله أحكم بهما الأمور، وقال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود:1] فالدين المستنبط من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم محكمٌ في ذاته، أحكمت آياته وأحكمت شريعته، فهو الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين سبحانه وتعالى، وهو محكمٌ في بيانه، ومحكمٌ في تفصيله، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115].

فتؤتى المرأة الحكمة، والنساء هن شقائق الرجال، فإذا أصبحت المسلمة حريصة بدأت أول ما تبدأ بفلذات كبدها، وأهل بيتها، فأمرت بطاعة ربها، بين بناتها وأبنائها، وكانت خير قدوة لهم، فكم من أبناء نشئوا على الخير والطاعة والبر حينما تربوا في أحضان أمٍ صالحة، وكم من بنات نشأن على الخير والبر حينما كانت تتلقفهن الأيدي الأمينة، من تلك الأم التي تخاف الله عز وجل في أمانتها ورسالتها، فتبدأ بأولادها والذكور والإناث، فإذا أراد الله عز وجل أن يعلي لها الدرجة جعلها داعية في قرابتها.

فلا تجلس مجلساً إلا كانت مباركة على ذلك المجلس، كما قال الله عن نبيه يحيى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31] فحملة العلم ودعاة العلم مباركون أينما كانوا، ما داموا يعلمون العلم وينشرون العلم، ويقولون بالحق وبه يعدلون، فالمرأة الصالحة إذا قالت بالخير ودعت إلى الخير كانت مباركة.

أما واجبها تجاه مجتمعها فإنها تأمر بما أمر الله عز وجل به، وتنهى عما نهى عنه بالموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، والنصيحة الهادفة، وتأخذ بمجامع قلوب بنات المسلمين، وتحرص على أن تحببهن في الخير، وتؤلفهن في الخير، ما تكون فظةً، ولا تكون غليظة، ولا تكون منفرة، وإنما تكون ميسرة لا معسرة، مبشرة لا منفرة، إذا جاءت المجلس وتكلمت كان كلامها كالغيث لتلك القلوب العطشى الظمأى التي تنتظر ماء الوحي أن يحيي مواتها بإذن الله عز وجل، فتتكلم ذلك الكلام الهادف، الكلام المختصر المفيد الجيد، وعلى كل امرأة أرادت أن تسير في هذا المسير أن تكون على بصيرة.

فالذي ينبغي أن يحذر منه الرجال والنساء في مسألة الدعوة: الحذر من فتنة الدعوة، فإن للدعوة فتنة، قل أن ينتبه لها من يتحمل مسئوليتها، وهي فتنة الغرور بالنفس، فالمرأة والرجل والداعي والداعية، يبدأ الواحد منهم في الوعظ والرقائق، ثم يفتي في المسألة الواضحة، ثم لا يلبث أن يجر إلى الفتاوى الكبرى، التي لو عرضت على أئمة السلف لجثا الواحد منهم على قدميه خوفاً من الله عز وجل، ومع ذلك تجده من أجرأ الناس فيها، وهذا هو سبيل الردى؛ لأن الشيطان إذا يئس من الشر أخذ -والعياذ بالله- المفتون من جهة الخير، فعلى المرأة الحذر من هذه الفتاوى العجيبة التي يطلقها بعض النساء في الدعوة.

والعجب والأعجب من هذه الفتنة أن بعض النساء يغرر بهن، يقال لهن: من قال لكن: إن الدعوة خاصة بالرجال، ومن قال لكن: إنه لابد أن نحضر عند الرجال وعند المشايخ، ينبغي أن يكون عندنا مشايخ أيضاً من النساء، ونحن شقائق الرجال، والمرأة مثل الرجل، وغيرها من الدعوات والنعرات التي تخالف شرع الله عز وجل، من الغلو في أمر المرأة.

أقول: لا حرج أن يكون هناك داعيات من النساء، لكن أن تغتر هؤلاء الداعيات، وتصبح الواحدة منهن متصدرة لكي تفتي في الحلال والحرام، يقولون: ما وجدنا شيخاً إذاً هذه هي التي تفتي، وهي التي تعلِّم، وهي التي تجتهد، وهي التي تقعد وتؤصِّل، هذا هو الغلو الذي ينبغي الحذر منه.

وما هو موجود في النساء موجود في الرجال أيضاً، ولذلك تجد أناساً يتصدرون للدعوة بالوعظ، وما عرفوا إلا بالخطابة وترقيق القلوب، وفجأة أصبحوا يتكلمون في الأحكام، وفجأة أصبحوا يفتون، وفجأة أصبحت لهم أقوال، حتى إذا نزلت النازلة بُحِثَ عن رأيهم في المسألة، الله الله! رحم الله امرأً عرف قدر نفسه! ورد الأمر إلى أهله، وأنزل نفسه منزلتها اللائقة بها، فإذا كان واعظاً وقف عند وعظه، وزم نفسه بزمام التقوى، وجلس في مجالس العلم يتعلم ويضبط العلم حتى يصل إلى الدرجة التي يبوئه الله فيها مبوأ صدق، ولا يغشنَّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

من الغش أن يأتي الإنسان ويتصدر وليس عنده علم، ولم يأذن له العلماء بالفتوى، ولم يأذن له العلماء ببيان الأحكام، وهل تشتت الأمة وتفرقت إلا حينما لمع أقوام لا حظّ لهم في العلم، فأصبحوا يفتون، وأصبحوا يقعدون ويؤصلون، حتى شوشوا على أئمة العلم والهدى، فأصبح منارُ الحق ملبساً عليه بفتاوى عجيبة غريبة قل أن تجد الناس تصل إلى عالم يوثق بدينه وعلمه من كثرة من يفتي، فتجد الفتوى على لسان كل أحد، والأعجب من هذا أنك تجد مثل هذا في الرجال والنساء على حد سواء، فالمرأة تقول: هذا في رأيي ما فيه شيء، والرجل يقول: هذا في رأيي ما فيه شيء، متى كان الرأي حكماً في دين الله وشرعه؟ متى كان الرأي يفتى به في الحلال والحرام؟ والله عز وجل يقول: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23] فالذي يريد الهدى من ربه، فليتبع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والمرأة الداعية تزم نفسها بزمام التقوى، فإذا سئلت عن شيءٍ لا تعلمه قالت: الله أعلم، أو قامت بسؤال العلماء ونقل المسألة إلى العلماء، لكي يفتوها ويعلموها ويرشدوها ويدلوها، كي تدل أخواتها على الخير، وجماع الخير كله في تقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله علَّمه، ومن اتقى الله فهمه، ومن اتقى الله جعل له فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، وجعل له نوراً يمشي به، وصراطاً يهتدي به إلى لقاء ربه، حتى يلقى الله غير مبدل ولا مفتون ولا مفتون به.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم! أن يجعلنا ذلك الرجل، وأن يوفقنا لهذه النعمة الكريمة، وفي الختام تعلمون ما أصاب إخوانكم في فلسطين وهم أشد ما يكونون حاجة إليكم بعد الله عز وجل، وللمسلم على أخيه المسلم حقوق ينبغي عليه أن يحفظها ولا يضيعها، والمسلم إذا أصابته النكبة فينبغي على أخيه المسلم أن يقف معه، وأن يناصره ويؤازره بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وأقل ما يكون -وليس بالقليل- كثرة الدعاء لهم، والابتهال لله سبحانه وتعالى، فكم من كفٍ صادقة من قلبٍ صادق كَبَتَ الله بها عدوه! وكم من كفٍ صادقة من رجلٍ مؤمن صادقٍ مع الله عز وجل رفع الله دعوته! وأعلى بها منزلته! فكونوا صادقين في الدعاء لإخوانكم، وتذكروا ما يعانونه من الظلم ومن الاضطهاد، ومن الأذية والبلاء مما لا يشتكى إلا إلى الله جل وعلا، فاجتهدوا في الدعاء لهم ومناصرتهم ومؤازرتهم بالماديات والمعنويات على قدر الاستطاعة، وتذكير المسلمين بذلك.

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر إخواننا في فلسطين، اللهم! ثبت أقدامهم، اللهم! ثبت أقدامهم، اللهم! ثبت أقدامهم، اللهم! أصلح أحوالهم، اللهم! نور قلوبهم، اللهم! أنزل عليهم السكينة والثبات، اللهم! أنزل عليهم السكينة والثبات، اللهم! اجمع شملهم، اللهم! وحد صفوفهم، اللهم! سدد آراءهم، اللهم! صوب آراءهم، اللهم! سدد سهامهم، اللهم! صوب آراءهم.

اللهم! عليك بأعدائك أعداء الدين، اللهم! عليك باليهود فإنهم طغوا وضلوا، وأشركوا وأفسدوا وأرجفوا، اللهم! أنت الله لا إله إلا أنت يا من يسمع الدعاء ويكشف البلاء فاطر الأرض والسماء، اللهم! إنا نستغيث بك لا إله إلا أنت لإخواننا، اللهم! عليك باليهود ومن شايعهم، اللهم! شتت شملهم، اللهم! فرق جمعهم، اللهم! صدع بنيانهم، اللهم! زلزل عروشهم، اللهم! فرق جمعهم، أنزل بهم لعنتك، اللهم! اسلبهم عافيتك، اللهم! اسلبهم عافيتك، واشدد عليهم وطأتك، وأنزل بهم رجسك ولعنتك إله الحق لا إله إلا أنت، اللهم! اقصم ظهورهم، وشتت أمورهم، اللهم! اقصم ظهورهم، اللهم! اجعل أمرهم إلى سفال، وعاقبتهم إلى خزيٍ ووبال، يا ذا العزة والجلال! يا كبير يا متعال! اللهم! أنت الله لا إله إلا أنت نسألك بعزتك وق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015