قال رحمه الله: [ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشرة أبعرة]: الهاشمة: توضح العظم وتهشمه، والهشم الكسر للعظم، ويقال: هشم الشيء إذا فككه وكسره، ومنه هشم الثريد، ولذلك سمي جد النبي صلى الله عليه وسلم: بـ هاشم؛ لأنه هشم الثريد للناس بمكة من كرمه فكانت مفخرة له.
الشاهد أن الهاشمة هي التي تهشم العظم في الوجه والرأس، وفيها عشر من الإبل، وللعلماء في هذه العشر وجهان: الوجه الأول: أن خمساً من العشر لكونها أوضحت العظم، والخمس الثانية؛ لأنها هشمت العظم.
الوجه الثاني: أن الهاشمة فيها عشرٌ من الإبل ولا يفصل.
فائدة الخلاف بين الوجهين: أنه لو ضربه فهشم عظمه دون أن يجرحه، يعني هشم العظم داخل الجلد دون جرح، فعلى القول الأول لا يجب عليه إلا خمس من الإبل؛ لأنه لم يقع إلا الهشم، ولم تقع الموضحة، وعلى القول الثاني يجب عليه عشرٌ من الإبل، سواء كان هناك جرح وإيضاح للعظم، أو لم يكن هناك جرحٌ وإيضاح للعظم.
الموضحة: فيها خمس من الإبل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصل في ذلك كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمرو بن حزم، وقد تقدم معنا وبينا أنه الكتاب الذي أجمعت الأمة على تلقيه وعلى قبوله، وضربه العلماء مثالاً للحديث الذي أغنت شهرته عن طلب إسناده، وحسن أئمة الحديث كالإمام الترمذي وغيره إسناد هذا الحديث، والعمل عند العلماء على حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه الذي هو كتاب النبي صلى الله عليه وسلم له في الديات ومقاديرها، هذا الكتاب جاء فيه: (وفي الموضحة خمسٌ من الإبل)، وسكت عليه الصلاة والسلام عن الهاشمة، فلم يرد عنه عليه الصلاة والسلام حديث صحيح يبين حكم الهاشمة، ولكن جاء عن أصحابه رضي الله عنهم، وقضى زيد بن ثابت وهو الصحابي الفقيه رضي الله عنه وأرضاه ولم يعرف له مخالف: أن الهاشمة فيها عشرٌ من الإبل، وبناءً على ذلك جرى العمل عند أئمة الإسلام سلفاً وخلفاً على هذا القول، هناك من خالف من العلماء رحمهم الله وقال: إن فيها حكومة، وذلك بأن يقدر المجني قبل الجناية ويقدر بعد الجناية -وسيأتي إن شاء الله بيان الحكومة- وهو مذهب مالك رحمه الله وغيره، والصحيح ما ذكرناه.