يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ودية قن قيمته].
هذا السبب الثاني من المنقصات وهو: الرق، فإذا كان المجني عليه رقيقاً فإن هذا ينقص ديته، والأصل في الرقيق أنه ينظر إلى قيمته، فلو أنه قتل عبداً نظرنا إلى قيمة هذا العبد، سواء كان مملوكاً لسيده ولا زال عليه الرق حتى مات وقتل، أو كان مكاتباً أو كان مدبراً أو كان أم ولد، فجميع هؤلاء قيمتهم بالغة ما بلغت.
وعلى هذا جمهور العلماء رحمهم الله: أن دية العبد قيمته بالغة ما بلغت، واختلف في العبد، لكن من حيث الأصل أن العبد مملوك يباع ويشترى، ولذلك تكون ديته إذا قتله الإنسان خطأ أو قتله عمداً ولم يثبت القصاص لمانع أن يدفع قيمته بالغة ما بلغت.
قال: [وفي جراحه ما نقصه بعد البرء].
يعني: إذا جني عليه جناية فإننا ننظر إلى قيمته قبل الجناية وقيمته بعد الجناية والبرء، والناقص يدفعه ذلك الجاني، فلو كانت قيمته مائة ألف قبل الجناية، وبعد الجناية خمساً وتسعين يجب أن يدفع خمسة آلاف، فما أنقصته الجناية يجب ضمانه، وهذا أصل في جميع الأموال أنها تضمن بالنقص، كما تقدم معنا في باب الضمان.
هناك خلاف للعلماء رحمة الله عليهم: إذا جنى أحد على العبد جناية فقطع يده أو فقأ عينه، أو قطع أذنه، هل ننظر إلى نسبة هذا العضو من قيمته الأصلية؟ أم أننا نقدره فما نقص يدفع؟ وجهان لأهل العلم رحمة الله عليهم: من أهل العلم من قال: إذا قطع يده نظرنا إلى نصف قيمته فأوجبناها على القاطع؛ قياساً على الحر.
ومنهم من قال: ينظر إلى قيمته قبل قطع يده وقيمته بعد قطع يده، ويدفع الفرق كما قدمنا في الجراح.
القول الأخير قيل: إنه هو المذهب، واختاره شيخ الإسلام رحمة الله عليه، وطائفة من أهل العلم، وصوبه المرداوي رحمه الله في (الإنصاف)، وهو أحد الأوجه عند الشافعية وينص هذا القول على: أننا ننظر إلى ما نقص من قيمته بعد الجناية بغض النظر عن كونه إتلافاً لما في الأصل، ينظر في نسبته إلى الدية مثلما ذكرنا في اليد، فإن فيها نصف الدية، والرجل فيها نصف الدية، والعين فيها نصف الدية كما قدمنا.
في هذه الحالة عندنا قولان: الصحيح منهما الذي اختاره طائفة من العلماء أنه ينظر إلى أرش الجناية وما نقصته الجناية.
فالفرق بين القولين: أنه في بعض الأحيان تنقصه الجناية ثلاثة أرباع القيمة، مثلاً: يكون خطاطاً بيده، أو عنده صنعة في يده، وتكون قيمته غالية، وقد تكون قيمته ضعفي قيمة العبد المعتاد، ولكن بعد الجناية قد تنقص ثلاثة أرباع القيمة، وحينئذٍ يكون ضمان هذا أكثر من ضمانه بنسبته لأصل القيمة، فهناك فرق بين ثلاثة أرباع القيمة وبين نصف القيمة، وهذا القول كما ذكرنا اختاره جمع من المحققين رحمهم الله.