قال رحمه الله تعالى: [ولا يجزئ قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل] أي: ولا يجزئ الأذان قبل الوقت، إلا الفجر فيجوز أن يؤذن له قبل دخول الوقت لثبوت السنة بذلك، فيؤذن قبل دخول الوقت ولا حرج، ثم اختلف العلماء، فقال بعض العلماء: الأذان الأول لا يجاوز السدس الأخير من الليل، وهو ما يقارب ساعة ويختلف بالصيف والشتاء، فيؤذن الأذان الأول قبل الفجر بحدود ساعة أو تزيد، بحسب الصيف والشتاء، وبحسب طول الليل وقصره.
وقال بعضهم: إنما يؤذن الأذان الأول بفاصلٍ يسير بينه وبين الأذان الثاني، بحيث أنه بمجرد ما ينتهي من الأذان الأول يدخل وقت الفجر فيؤذن الأذان الثاني، وهذا ارتضاه بعض فقهاء الظاهرية رحمة الله عليهم بناءً على حديث: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا)، ولكن هذه اللفظة عند بعض العلماء فيها نظر؛ لأن بلالاً كان عندما يؤذن يمتطي على ظهر بيت الأنصارية، حتى إذا قرب بزوغ الفجر صعد ابن أم مكتوم وأذن، وليس المراد به أنه ينزل ويطلع مباشرة، كما أفاده بعض العلماء رحمة الله عليهم.
والمصنف أخذ بالقول الثالث، وهو أن يؤذن الأذان الأول من بعد نصف الليل، وهذا في الحقيقة محل نظر، والأقوى أن يؤذن في السدس الأخير، ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)، فلما تُوقِظ النائم في نصف الليل فليس هناك مصلحة، وما دام أن الحديث جاءنا بعلة الأمر فنتقيد بالعلة الواردة؛ لأن العلل المنصوص عليها محكومٌ بها، فلما جاءنا الحديث أن العلة في الأذان الأول رد القائم وتنبيه النائم، فذلك أنسب ما يكون في حدود السدس الأخير، كما هو وجهٌ عند الشافعية وبعض العلماء رحمة الله عليهم.