قال رحمه الله: [أو بسمٍ] أي: أو يقتله بالسم، والسم مادة مزهقة للروح، سواء كانت مطعومة، أو كانت مشروبة، أو كانت مشمومة، وسواء كان تعاطيه للسم عن طريق السقي، أو دسه في طعامه، أو وضعه في قطيفة وكممه بها، فاستنشقها حتى مات، أو وضعها في حقنه فحقنه بها، فكل هذا يعتبر من القتل بالسم.
والقتل بالسم في زماننا مثل المواد المخدرة، والمواد السامة، وهذا معروف فيما يعرف بعلم الطب الشرعي، وفيه مباحث خاصة تسمى بمباحث علوم السموم، يبحث فيه المواد التي ثبت طبياً أنها قاتلة.
وللعلم فإنها تنقسم إلى أقسام: فقد تكون مواداً نباتية، أو مواداً كيميائية، أو نباتية مركبة، أو مفردة، أو من الاثنين أي: مركبة من النبات ومن المركبات الكيميائية، المهم أن يثبت عند أهل الطب والخبرة أن هذه المادة التي حقن بها المريض، أو وضعت في طعامه أو في شرابه، أنها قاتلة، وأنها من السمومات، أو أن هذه المادة التي رش بها، أو التي كمم بها فاستنشقها، أو التي حقن بها، أنها قاتلة.
وهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل فصل فيه العلماء فقالوا: أولاً: إذا سقاه السم أو وضع له السم، فإما أن يكرهه عليه، ويفرض عليه تعاطي السم أكلاً، فإذا وضع له السم وعرف المقتول أنه سم، فهدده وضغط عليه حتى أكل منه، أو ربط يديه فأدخله في فمه، أو جعله سعوطاً، أو كممه به فشمه بغلبة وقهر؛ فلا إشكال أنه قتل عمد موجب للقصاص والقود.
لكن يشترط عند العلماء رحمهم الله أن تكون المادة والجرعة الموضوعة هي التي تسببت في زهوق الروح، وإذا كانت مادة مشمومة فنرجع إلى الأطباء، وهذا معروف عادة في الجنايات والجرائم، فتحال مثل هذه المسائل إلى الأطباء المختصين فينظرون فيها، فإذا وجدوا أن المادة والجرعة التي وضعت كافية لقتله فحينئذٍ لا إشكال أنه قتل عمد، وإن كانت المادة والجرعة لا تقتل إلا نوعاً خاصاً، فصل في القتل بحسب نوعية المقتول، فلو قالوا: تقتل الصغير ولا تقتل الكبير، وهم عصابة أو شخص اعتدى على طفل رضيع فوضع هذه المادة وكمم بها أنف الرضيع حتى لا يصيح فمات، فهذا قتل عمد؛ لأن مثله يقتل بهذه الجرعة، والجرعة كافية لقتله، وهكذا لو حقنوه حقنة وكانت كمية حكم الأطباء أنها كافية للقتل؛ فقتل عمد، وإن قالوا: لا تكفي للقتل، فهذا فيه تفصيل عند العلماء رحمهم الله: فمن حيث الأصل لا يحكم بكونه قتل عمد موجب للقصاص والقود، إلا إذا كانت الجرعة والمادة التي يفرض عليه تعاطيها كافية لزهوق الروح، فعندنا شرطان: الأول: أن يفرض عليه تعاطيها، والثاني: أن تكون كافية لزهوق الروح.
فإن لم يفرض عليه ذلك فإنه يأتي على صور: الصورة الأولى: أن يقدمه له في طعام أو شراب، فيضع السم في طعامه، أو يضع السم في شرابه، ويقدمه له، فإن قدم له السم في الطعام والشراب فإما أن يكون ظاهراً أو خفياً، فإن كان ظاهراً وعلم المقتول أنه سم وأكله، فقد باشر قتل نفسه، وحينئذٍ إذا علم المقتول أن المادة سامة وجاء وتعاطاها فشرب، أو استعط بها وهو يعلم أنها سامة وكافية لقتله، أو ما يحصل -نسأل الله العافية- عند بعض أهل المخدرات، فيأتي بإبرة فيها مخدرات والكمية كافية لقتله، فيأخذها ويباشر حقن نفسه بها دون أن يكرهها، ودون أن يلزمها، فحينئذٍ قد قتل نفسه، فهذا إذا علم المقتول أنها مادة سامة.
الصورة الثانية: أنه لم يكره على تعاطيها، فحينئذٍ قتل نفسه، لكن يبقى السؤال إذا عاونه غيره، ففيها تفصيل قد يأتينا في قتل الجماعة ومسائل المعونة على القتل.
الصورة الثالثة: أن يقدمه له وتكون علامة السم واضحة معلومة، ولكن الشخص الذي قدم له السم لا يميز، أو لا يعقل، مثل الصبي والمجنون، ومثل الأبله والمغفل -المعروف بالغفلة- فقدم له هذه المادة، فهذا الصبي لا يعرفها فظنها حلوى، أو ظنه شيئاً يؤكل فأكله، فحينئذٍ هذا قتل عمدٍ يوجب القصاص؛ لأن مباشرة الصبي ساقطة، والسببية مفضية للهلاك، ولو كان عند الصبي تمييز لامتنع، لكن ليس عنده تمييز ومعرفة.